التحدّث مع الكتب وليس عنها!
ـ لا كِتَاب يُقرأُ مرّتين، ولكن هناك كتاب يُقرَأُ قراءَتَينِ!.
ـ كل قراءة هي قراءة جديدة، بل ويُمكن التشكك حتى في وجود قراءة أولى بالمعنى الصافي لكلمة "أُولى"، إذ أن أي قراءةٍ أُولى لكتابٍ، لا بدّ لها وأن تكون مسبوقةٌ بقراءاتٍ قبلها، بدءاً من تعلّم حروف الهجاء مُنفرِدةً، وربما قبل ذلك بكثير، حيث يسمع الطفل الكلام وهو في بطن أُمّه!.
ـ القراءة مثل الزمن، يُمكن معرفتها ويصعب تعريفها، تُعاش لكنها لا تَمسِك ولا تُمسَك!.
ـ القراءة سابقة على الكتابة، وأصيلة فيها، ولاحقة عليها!.
ـ القراءة لا تحتاج إلى كتاب، مثلما أن الشعر لا يحتاج إلى قصيدة!، الكتاب هو الذي يحتاج للقراءة، والقصيدة هي التي تحتاج للشعر!.
ـ يُولد الإنسان قارئاً، ولأنه يريد التكاثر لا يكفيه الإنجاب، الإنجاب خطوة أولى واعدة فقط!، واعدة بماذا؟، واعدة بإمكانية أن يستمر السابق في الحياة عبر اللاحق، وهذه هي الغاية أصلاً من التكاثر، ولأن الإنسان آمن بفناء الجسد، فقد اتكأ على إمكانية خلود الفكرة والعاطفة والحِسّ، ولذلك أمسك بالكلمة، أعطاها من روحه أكثر مما أعطى لأي شيء آخر، حتى صارت كائناً حيّاً معقّد الخلايا، وقادر على الاسترسال في التفكير والتدبّر بمفرده، لكن من خلال قارئ!.
ـ لو لم يقرأ الإنسان قبل الكتابة، قراءات متنوّعة، عبر النظر والشّم واللمس والتذوّق، وعبر شهوات الغريزة، وأحلام النوم واليقظة، لما فكّر بالكتابة كاختراع قادر على الحفظ، القراءة سابقة لأن المشي يسبق الطريق، يرفس الجنين بقدميه بطن أمه!، الكتابة رصف طريق، هندسة دروب، بوصلة رحلة، وشراع مراكب، والقراءة غريزة حركة، ورغبة سفر، لذلك هي سابقة، ليست سابقة فقط ، بل لولاها لما رُصف طريق، قل لما كان هناك طريق أصلاً، لا مركب ولا شراع ولا بوصلة ولا رحلة!.
ـ ومثلما أننا لا نُطلق صفة كاتب، على كل من عرف الكتابة، لكن على من امتلك في الكتابة موهبة خاصة، تفصله وتُوصله، عن وبالآخرين، فإنه من الإجحاف إطلاق صفة قارئ، على كل من عرف القراءة، بمعناها التعليمي الواسع، فالقراءة فن أيضاً، وهي موهبة، ولا زلتُ عند رأيي فيها: القراءة ليست للجميع!، فغير الموهوب يضر بالتجربة ولا تقدم له شيئاً!، لكني أعترف بتطرف هذا الرأي، والأصدق أنني أثق بأنه سيُفهم خطأً من كثيرين!، فبإمكانكم تناسيه، واعتباره هذراً، ويا ما هذَرْنا!.
ـ القارئ ليس من يقرأ كتاباً، فيعرف فيما بعد كيفية التحدث عنه، حتى لو حفظ الكتاب حفظاً!، القارئ هو من يعرف كيفية التحدث مع الكتب وليس عنها!.
ـ إن أنا دخلت كتاباً، لأنني أعرف أنه يوافقني الرأي، أو قرأته وأنا أريد منه دائماً أن يكون على هوايَ، فأنا قارئ عاق ومعوّق!.
ـ إن أنا قرأتُ نصّاً، ثم لم أخرج بنصّي الخاص منه، "ليس المهم حوله المهم منه"، فأنا بالكاد أصلح مشجّعاً، فإن ظننتُ أنني بذلك أكون قارئاً، فظني لا يبعد كثيراً، ولا قليلاً، عمّن يظن أنه يُمكن له كسب لياقة بدنية، ومهارات، لمجرّد أنه متابع ممتاز لمباريات كرة القدم في التلفزيون أو المدرّجات!.
ـ بورخيس، خذني معك: "فليفخر الآخرون بالصفحات التي كتبوا، أمّا أنا فأفخر بتلك التي قْرَأْت"!.