أدب التغافل
يقول المثل الشعبي: "تجيك التهايم وأنت نايم"، وهذا ما يحدث أحياناً حين تخلد للنوم قرير العين، راضياً بما قدمت في يومك، مراعياً الله سبحانه وتعالى في عملك، ثم تصبح وقد ضج عالمك الخاص بالرسائل والاتصالات، التي تطالبك بالرد على شخص قريب أو بعيد ذكرك بسوء، قاصداً أو دون قصد، وحينها أرجوك ردد: "الحمد لله الذي أشغلهم بي، ولم يشغلني بهم".
رجوت من أحب مطلع العام 2017، بالتركيز على الإيجابيات، والنظرة التفاؤلية للحياة بشكل عام، والتعلم من دروس الماضي، التي أثبتت أن الرد لا يغير القناعات المبنية على العواطف بدل الحقائق، وأن من يثق بك لن يغير رأيه لمجرد كلمة تروى أو خبر ينقل، بينما من ينتظر زلتك فسيفرح بما يقال، ولن يقنعه منك دليل أو حلف أو توضيح، ولذلك فإن لزوم الصمت وتوكيل أمرهم إلى الله حسبهم، أفضل من سكب الزيت على النار بالردود التي ستؤدي لزيادة اللت والعجن في موضوع تثق بأنك منه براء؛ لأن التجارب تقول إن "آفة الأخبار رواتها".
حين تحدث أزمة إعلامية، تتعالى الأصوات المؤيدة والمعارضة، ويبدأ كثيرون في الاصطفاف مع أو ضد، فتكون الحكمة في مراقبة المشهد، والتعرف على آراء الناس، وتمييز مواقفهم، التي تعكس شخصياتهم وتفكيرهم حيال الموضوع والأشخاص، ولعلك تعلم أكثر مني أن الانطباعات السائدة لا تتغير، وأن من يقف معك يثق بك ويعرف معدنك، ومن يسارع للاصطفاف ضدك لن يبدل انطباعه السائد أي تبرير أو دليل، ولأن "رضا الناس غاية لا تدرك"، فإنك لن تستطيع إقناع الجميع، بل تسعى لرسم انطباع إيجابي لدى الغالبية قدر المستطاع، ولأن هناك من يركز على السلبيات، ويتصيد الأخطاء ويذكي نار الفتنة، فسيستمر تناقل الأخبار المسيئة بهدف تشويه هذا الانطباع، وستجد اليقين إذا أوكلت أمرك إلى الله حسبهم وحسبك، وستكشف لك الأزمة حقائق كانت غائبة عنك، وستتذكر قول الشافعي ـ رحمه الله:
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها عدوي من صديقي
تغريدة tweet
يقول الحسن البصري ـ رحمه الله ـ "ما زال التغافل من فعل الكرام"، ويقول الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله: "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل"، والتغافل هو إعراضك عن أمر صدر من عدو أو صديق ومقابلته بالحلم والتسامح، وستجد راحة عظيمة في التغافل عما يقال عنك في غيابك أو حضورك وبأي وسيلة كانت، وستنتصر بإذن الله، إذا تسامحت مع الجميع وتصالحت مع نفسك ورددت: "الحمد لله الذي أشغلهم بي ولم يشغلني بهم"، وعلى منصات التغافل نلتقي.