صالح الشّادي شاعراً وإنساناً
صالح الشادي شاعر حقيقي، وتستحق تجربته الشعرية المتابعة، والتأمّل، لغته عذبة حتى تحسبها سهلة، ولكنها في حقيقتها عميقة، لدرجة كان يمكن لها أن تجعل من علاقتنا مع قصيدته معقّدة لولا تلك العذوبة التي تصبّها لنا إيقاعاته بأقداح ذات نقوش محفورة حفراً، قصيدة الشادي تُشبهه، أنيقة ووحيدة وعطرها حزين.
لكنني أريد الحديث عن صالح الشادي، كإنسان، تحديداً عن تاريخه الطويل كإنسان في ساحة الشعر الشعبي، وأعترف أنني مثل من تُبصر عيناه فجأةً، أمراً كان بين عينيه طيلة الوقت، ولكنها الغفلة!.
وأعجب فعلاً من الأمرين، من غفلتي، ومما أراه جليّاً، كيف تمكن هذا الآدميّ من المحافظة على آدميّته خضراء مُورِقة، نظيفة وطاهرة، في علاقته مع زملائه ومنافسيه وساحة الإعلام الشعبي بكل تعقيداتها المهنية والنفسية والاجتماعية والفكرية؟!.
لم يحدث أن أساء إلى أحد، ولا أتذكّر أكثر من مصافحاته الودّيّة للجميع، بالرغم من أنه لا ينتمي لشلّة بعينها، على العكس، يمكن القول إن الابتعاد عن أي تجمّعات "مُتفازعة" أو مُتنازِعة، كان واحداً من ضمن خياراته الأصيلة!.
الأهم أن هذا الابتعاد لم يكن عزلةً، كان يخالط الجميع، وكنا نلتقيه كثيراً، في مناسبات وجلسات عديدة، هو فقط يبتعد عن الدخول في حوارات تمس الناس، كل الناس، لا أتذكر أنه قال كلمة نابية، أو تلفظ بقولٍ جارح، الآن أتنبّه لما هو أهم، وهو أن حضور صالح الشادي في المكان، يشع دائماً بطاقة مودّة إيجابيّة، تمنع الإساءات من الحضور أصلاً، تُخيّب آمال الأذيّة ببراعة قاسية اللطف!.
هنالك من خلق الله خلقٌ لا تجد لسعة تفهمهم ولا لرحابتهم حدّاً، ويا لحسرة القلب، يحتاج "غشيم" مثلي إلى نصف قرن لينتبه ويستدرك!.