المُنافَسَة
"المنافسة الشريفة" عبارة ظالمة، وصف ملغوم، ذلك لأن كل منافسة هي شريفة بطبعها وبطبيعتها، وتركيبة "المنافسة الشريفة" لا تُثبت إلا إمكانية النقيض وأحقيّته في الحضور!.
ـ المنافسة ليست عداءً، ولا خصومةً، ولولاها لمرّت الأيام دون أطايبها: التقدم في المتعة، والمتعة في التقدّم!.
ـ الذين يحوّلون المنافسة إلى ضغينة، يجهلون معناها، أو يشتكون من غياب السلام في داخلهم، أو من هم خارج المنافسة أصلاً!، ويعرفون أنهم خارجها، وتضايقهم هذه المعرفة!.
ـ قبول مقولة: "عدوّك ابن كارك"، وكأنها فِطرة بشرية، عمى قلب!.
يشبه ذلك العمى الذي تناوله جوزيه ساراماغو في روايته "العمى"، انتشاره على نطاق واسع، ويتسع أكثر فأكثر، لا يُدخله في الفِطرة، ولا يُخرجه من الوباء!.
ـ ليس لك في نهاية الأمر إلّا "أبناء كارك"، الأبناء الحقيقيون لـ"كارك"!، تتعلم منهم ويتعلمون منك، وتنطلقون في سباق الحياة والعمل، تتقدم، ويتقدمون، وتنشط لتتقدم من جديد، وينشطون ويتقدمون.
ـ الكاميرا تلتقط المتقدّم بجلاء، الذي يليه قد يتعرّض لعائق من جسد المتقدِّم، فلا تظهر صورته كاملةً، الذي يلي الذي يليه يعاني المشكلة بشكل أوضح، وتصعب رؤية وجه السادس!.
وهناك في المضمار من يتأخرون عن البقية بمسافات بعيدة، فالسباق عمر كامل، وهؤلاء لن يتمكن كادر الصورة من استيعابهم!.
ـ هؤلاء تحديداً، المتأخرين بشكل فاضح، يمكن للصورة أن تجمعهم بالمتقدمين في حالة واحدة، حين يَقْصُرُون عمّن يتقدمهم في المضمار بلفّة كاملة!، أو عدّة لفّات!.
ـ قد يبدو المشهد حينها غرائبياً: الأول يحاول اللحاق بالتاسع عشر!.
فإذا ما كان المتسابق القابع في ترتيب التاسع عشر، أقل طهارة في القلب وأكثر نباهة للجمهور، فإنه بإمكانه استغلال المشاهدين الجُدُد!، الذين لم يتابعوا السباق من أوله!، والتلويح لهم بما يُوهمهم أنه في المقدّمة!.
قد تنطلي الحيلة على عدد كبير من الناس، لأنه وكلما طال السباق، زادت احتمالية الحضور الجماهيري الذي لم يشهد انطلاقة البدء، خاصّة وأن عدداً ممن شاهدوا أول السباق يكونون قد انصرفوا بالفعل، مكتفين بما شاهدوه للحكم عليه!.
ـ المنافسة واحدة من أشرف وأنبل وأكرم وأطيب صفات الإنسان، يمكننا تخيّلها في صورتها العفيفة الطاهرة، على النحو التالي:
شقيقان، يحب كل منهما لأخيه الخير كله والسعادة كلها، يلعبان مباراة كرة قدم، أحدهما مهاجم والآخر حارس مرمى المنافس، والمشهد ضربة جزاء حاسمة، لتحقيق حلم حياة، إن أنبل ما يمكن حدوثه هو أن يتبادلا الأدوار، المهاجم يحرس والحارس يسدد!، لحظتها كلٌّ منهما سيسعى لتحقيق حلم أخيه بكامل موهبته وطاقته!.
هل هناك ما هو أنبل من هذا الاقتراح؟!، نعم، هناك: أن يبقى كلٌّ منهما في مكانه، حيث مهاراته وقدراته، وأن يثق في نفسه وفي شقيقه وفي العلاقة بينهما، أن يصل الانصهار إلى حدّه الصّوفي، يقول المهاجم: سأسدد وأصيب المرمى من أجلك!، ويقول الحارس: سأصدّها، وسأحقق حلمي أنا، من أجلك أنت!.