كذبة الفن وكذبة الإعلان التجاري!
الإعلانات تكذب.
لا تكذب مجازاً، المجاز مقبول، نحن نعرف أن “قراراتنا لن تكون إلهاماً” لمجرّد لبسنا شماغاً من ماركة معيّنة!، ولا يحق لنا مطالبة الشركة المُصنِّعة والمُعلِنة بردّ البضاعة واسترداد الفلوس، لأن هذا مجاز بَيِّن، وكلام دعائي واضح المجانيّة!.
مثل هذا المستوى من الكذب، يمكن إدخاله في باب الفن، لكن الكذب الفنّي طاهر، يقول لك من الأساس إنه ليس حقيقة، وأهم عنصرين لتقبّل أي عمل فني، هما الحبس والتواطؤ!.
الحبس بمعنى الإطار، والإطار بمعنى الشكل، ما لا يُحبَس في شكل ثابت وفي إطار محدد، ليس عملاً فنياً، هذه هي ميزة خشبة المسرح، وإطار اللوحة، وشاشة السينما، وأوزان الشعر وقوافيه، وكل الفنون، هذا الحبس يدعو المتلقي للتواطؤ، والتواطؤ هو أن أعرف يقيناً أن ما أراه ليس حقيقةً، ولا حسابات علميّة، ومع ذلك أقبل التعايش معه على أنه حقيقة، وأفتح الباب لعواطفي للتفاعل كما تشاء مع هذا الذي أتلقّاه فيتلقّاني، إنها شروط اللعبة!.
الإعلانات التجاريّة، تتمادى، في كثير من حالاتها، مستغلّة هذه المساحة بين الفن والحقيقة، قاصدةً الكسب التجاري، دون مراعاة لمشروعيّته، مستفيدة من مسامحات رسميّة عجائبية في معظم دول العالم، ضاربةً عرض الحائط شروط الفن وتلقيه، لا تحبس ولا تؤطِّر، تقدم لك نفسها على أنها حقيقة، على أن من يلبس القميص الأبيض ويضع سمّاعة في أذنيه طبيب فعلاً!.
وفي عالمنا العربي تحديداً، يمكن وبسهولة متابعة فضائح إعلانيّة، بلا رقيب ولا حسيب، خاصة تلك المرتبطة بالطب والعلاجات، لقد وصل الأمر إلى حد الشعوذة، والنصب على عينك يا تاجر ويا مشتري ويا مسؤول، والقنوات والمطبوعات تريد المكسب، تُعلِّب الهواء مضافاً إليه ثلاث ملاعق زيف، وتبيع الدقيقة بمئات الآلاف!.
وما إعلانات فك السحر، وعلاجات الأمراض بالزيوت المقروء عليها، وقراءات الشيخة الفلانية والشيخ العلّاني للطالع، وتفسير الأحلام، إلا جرائم واضحة، مُتَساهلٌ فيها ومعها بشكل أوضح، وهي في الحضيض لدرجة لا يصعب على العقلاء استبيانها، لكن متى كان المرضى وأهاليهم، يتدبّرون الأمور بعقولهم، إن أغلق العِلم أبوابه؟!، وأي قلبٍ هذا الذي يجرؤ على ملامتهم إن هم وقعوا فريسة للدّجالين، طالما أن الدّجال يدخل البيوت من تلفزيوناتها؟!.
والسؤال، وهو يخص أي إعلان تجاري: هل يحق لي كمستهلك رفع دعوى قضائية بتهمة الكذب والزيف على إعلان يقدّم معلومات غير حقيقية؟!.
أظن أن الجواب صعب، فالسؤال يحمل من التعقيدات الكثير، ويمكن للتسرع فيه صناعة تشدد وقمع، لكن ترك الأمور سبهللة يمكنها ذبح الناس من الجيب إلى الوريد!.
وعلى الأقل فإن أوّل ما يتوجب القيام به فيما أظن، إيجاد تعريفات رسمية تجعل من كل هذه الكلمات مصطلحات واضحة الدلالة: الإعلان، الدعاية، التجاري، الكذب، الحقيقة، والحريّة!.
غياب المصطلح، أخطر بكثير، من وجوده بعيوب ونواقص، ومع الاعتذار لنجيب محفوظ، أكتب: آفَة حارتنا المصطلحات!.