خطورة عوالم السوشل ميديا!
سمحت عوالم السوشل ميديا، بالكثير من الأخبار والصور والفيديوهات، ولأن الأخبار والمشاهد واللقطات العاديّة، والطبيعيّة، لا تشد الانتباه، فإن سيلاً هادراً من التكرار، من تكرار المُستهتِر والشاذ وغريب الأطوار، يتسيّد!، والمُتسيِّد يستَعبِد بالضرورة!، حتى لو لم يُرغِم أحداً على اتّباعِه، فإنه يجد وفرة ممن يرتعبون من التدبّر، والروح القياديّة، يشكرون للمتسيِّد، سماحه لهم بالانحناء له، شخصاً كان هذا السائد المتسيِّد أم رأياً أم فكرةً أم حالة أم صورة!.
الكثرة لا تغلب الشجاعة فحسب، لكنها تغلب القناعة أيضاً، وتقلبها كذلك!.
خطورة عوالم السوشل ميديا، أنها قادرة على أن تجعل من الحدث الواحد كثرةً!، فما بالك لو اجتمع لها ثلاثة أحداث على نفس الرتبة من الشذوذ والبذاءة؟!.
يبدأ "الخبر/ الصورة/ الحالة" منبوذاً: أم تُعذِّب طفلها!، أو مُقزِّزاً: أب يتحرّش بابنته!، ويكون نشازاً على العين والقلب والعقل والمجتمع، لكنه يتكرر، الخبر الواحد نفسه، ينتشر ويتمدد ويتكاثر، يخرج لك من ألف جُحر، روابط وهشتاقات ورسائل واتساب وأخبار صحفية، ومحطات فضائية، ومواقع صحف إلكترونية شغوفة بكل ما هو منحرف أخلاقياً، وكسولة، تقص وتلصق من بعضها البعض، وفي النهاية يصير هذا القليل المعزول عن السياق، كثيراً، وفي صميم السياق، وفي واجهة المشهد!.
المصيبة الكبرى لم تأتِ بعد، المصيبة أن هذا المُستثنى من الحركة الطبيعية للمجتمع، هذا القليل الذي صار كثيراً، بفعل التكرار والترديد، ومهما كانت نوايا التكرار طيبة، ومهما صاحب الترديد التنديد، فإن الغلبة ستكون لما تم تكريسه عبر هذا التكرار!.
كل مواقف النبذ، ومشاعر التقزز، والإحساس بالنشاز الصارخ، ستتراجع إلى الوراء، تضمحّل شيئاً فشيئاً، حتى تفسد أو تكاد تفسد، بتقبلها الأمر، ليس بتقبلها الحدث نفسه، لكن بتقبلها لوجوده كحالة عامّة، رغم معرفتها العقلية بندرة حدوثه، إذ إن هذه المعرفة العقلية ستتراجع، وتنسحب في زاوية معتمة بعيدة، لا تمكّن العقل من استحضارها بالسرعة المطلوبة، ولا بالكفاءة اللازمة!.
الأمر نفسه الذي يحدث معنا اليوم عند متابعتنا المصوّرة لتشريد شعب من وطنه، لحرق مدينة كاملة، أو لعمل إرهابي!.
الصّور تُفسد التصوّر!، والتكرار لا يُعلِّم الشطّار، يُفقدهم الاستواء، يصيبهم بالتّرهل، يُمرضهم بالفتور، ويرمي بعواطفهم إلى الهاوية!.
العالم مُقبل على تشوّهات راعبة في فطرته، الإنسان يتجه إلى لا إنسانيّته بسرعة تخيف الضوء ويطمئن لها الظلام والظلم!.