2017-03-07 | 04:04 مقالات

كم تغيّرنا؟!

مشاركة الخبر      

"ياااه.. يا فلان.. كم تغيّرت"؟!،..

 

حين نفرك إبريق هذا السؤال، ونخلّصهُ من صدأ العتب والملامات، يخرج لنا مارد الفن!، مارد الإنسانيّة والحياة، لا يخرج لائماً ولا مَلُوماً، فقط ليكشفنا أمام أنفسنا، وعلى قَدْر تغيُّرنا تَفتح عُلَبُ الجوائز قراطيسها وفوانيسها!،..

 

ماذا لو أمسك كل واحدٍ منّا بورقة وقلم، وسجّل في عناوين عريضة، ما الذي تغيّر فيه بإرادةٍ منه وليس بحكم الزمن والظروف؟!، ورقة واحدة للسنوات الخمس الأخيرة على الأقل!، ما الذي حاولنا تغييره في أنفسنا، وما الذي نجحنا في تغييره؟!،..

 

الثبات موت، لا.. الموت ليس بشعاً، الثبات بشع، إنه قتل، أو أكثر بشاعة: عجز مخزٍ، أو غطرسة إحساس بالكمال أشد خزياً!،..

 

وأظن أنه يمكن اختصار كل هذه الأسئلة، وتقويس كل ما يمكن له الحضور من تداعيات، في سؤال رئيس وأساسي وأوّلي: هل بدأتُ أفهم الأسئلة بطريقة أعمق؟!، هل صرتُ قادراً على صناعتها والتعامل معها بجسارةٍ أعلى؟!،..

 

هذا السؤال ليس البيت لكنه بوّابته!، بوّابته التي ما لم تُفتح، فإننا سندخل بيوتاً أخرى لا علاقة لها بأمورنا هذه، حتى إن حسبنا أنها هي!،..

 

التغيّر تنتجه الأسئلة وليس الإجابات!، الإجابات نتيجة التغيّر وليست منتِجَته!،..

 

وتظل محاولة التسجيل ذات فائدة على ما أظن، لحظات مواجهة مع النفس، ولا حاجة إلى إعلانها على الملأ، يكفي أن يحسها الإنسان بنفسه، وأن يُصدِّقها من داخله!،..

 

التغيّرات خارجيّة وداخليّة، لكن الرهان على ما قام به كل واحد منّا للحصول عليها،..

 

مثال صغير للتغيرات الخارجية: هل كان وزني قبل خمس سنوات على الأقل يضايقني، وتمكنت بجهدٍ مني ورغبةٍ ونيّةٍ، من التصالح مع جسدي بشكل يمكن لي معه الشعور داخلياً بالفخر؟!،..

 

مثال صغير للتغيرات الداخليّة: هل كنتُ غضوباً، لكنني نجحت بتدريب ذاتي، على التغاضي، وتفهّم الناس؟!، ما موقفي قبل خمس سنين مثلاً من أعدائي، منهم ومن مفهوم العداء نفسه، وإلى أي مدى يمكنني اليوم تسجيل مدى التغيّر في هذا الأمر؟!،..

 

هذه أمثلة بسيطة، وهادئة، لأن مسألة الصخب يجب أن تكون ذاتيّة وخاصّة!،..

 

الذي لا يجد في نفسه تغيّراً، إضافةً أو محواً، فإنه مجرد حصاة، حِجارة إن رَسَتْ فهي هالكة، وإن تغطْرَسَت فهي مُهلِكة، لأنها تريد من الناس العودة لعبادة الحجارة، وإلّا فإنهم كفّار!،..

 

على أي حال، ومهما كانت النتيجة مخيّبة للآمال، يمكن البدء من جديد، وليكتب كل منّا رهانه، رهانات صغيرة، خارجية مثل: أدخّن وسأترك التدخين، وداخلية مثل: أغتاب وأنمّ وسأتوقف حتى لو ظننت أنهم يستحقون لأنني وإن عجزت عن أن أجعلهم أفضل فلا يجب عليّ أن أقبل تعجيزهم لي بأن أكون أنبل!،..

 

بالمناسبة، ولست متأكداً ما إذا كان هذا في سياق الموضوع أم لا ولكن..، كم مرّةً سمعنا وقلنا مثل هذه الكلمة: "حاولت أن أحب فلان.. حاولت مرة ومرتين وعشرين.. ولكنني فشلت"!، لا أحد منا تقريباً لم يقلها ولو لمرة واحدةٍ، أو يسمعها لعشر مرات على الأقل، ويظن قائلها أنه كشف عن طيبته!، قد يكون طيباً فعلاً لكن ليس بما يكفي، وهو حتى إن كان طيّباً فهذا لا يعفيه من الفشل، النجاح الطاهر أن يقول أحدنا: "حاولت وحاولت أن أتفهّم وأن أحب فلانًا من الناس، وقد نجحت..، أخيراً تفهّمت وأحببت!".