القارئ مُغتاظاً!
ـ أكثر ما يغيظ القارئ الحقيقي، ويلعب بأعصابه، حقيقة أن عدد الكتب أكبر من أن يتمكن الإنسان في حياة واحدة من قراءتها جميعاً!.
اسألوا أي قارئ كتب، ولسوف يهزّ رأسه موافقةً وحسرة!،..
ـ بعد هذا الغيظ الوجودي!، يمكن سرد إغاظات أقل ثقلاً:
ـ استسهال الأصدقاء والأحبة لسرقة الكتاب!، حتى إنهم لا يعتبرون الأمر سرقة!، يهاتفك أحدهم أو يرسل لك: "أووه.. نسيت أقول لك إنني أخذت الكتاب الذي كان على الطاولة.. أقرؤه وأعيده لك حين نلتقي"!،..
ـ من المنغّصات الكبيرة أيضاً، أن يتحدث أحدهم عن رواية فيحكي حكايتها!،..
ـ قارئ الرّواية الحقيقي يعرف أن الرواية ليست حكاية فقط، وأنها فقط تتضمن حكاية، لكنه لا يُريد لهذا المُتَضَمَّن أن يحضر خارج الفعل القرائي نفسه!،..
ـ الكتاب الأشهر لأي كاتب غزير الإنتاج، يُغيظ القارئ أيضاً!،..
ـ أن تقرأ لنجيب محفوظ مثلاً كل أو معظم أعماله، باستثناء "أولاد حارتنا"، لأنها ممنوعة أو غير متوفِّرة لديك، ثم حين تقرأ عن وليس لنجيب محفوظ، لا تجد تقريباً كتابة نقدية واحدة محترمة إلا وتحيلك ولو في سطر واحد إلى "أولاد حارتنا"، يصيبك إحساس، هو خليط من إحساس اللص الذي لم يَمتْ ضميره بعد!، وإحساس الصيّاد حين يتأكد له أنه كان أقل مهارةً مما يجب!، إحساس بأنك لم تدخل البيت من بابه، وأنك لم تُمْسِك النمر سوى من ذيله!،..
ـ تذهب لتقرأ الرواية، تكتشف أن "أولاد حارتنا" ليست الأفضل لنجيب محفوظ، المشكلة أنه وفي غالب الأمر سيكون هذا رأيك، لعدّة أسباب، منها أنك عاطفيًّا ووجدانيًّا سبق لك أن تفاعلت مع روايات أخرى له، دون ضجيج وضخ دعائي فأحببتها أكثر، ومنها أنك بعد كل ما سمعت وقرأت عن الرواية، هيَّأت نفسك لعمل أضخم وأفخم مما ستجده، وبعدم تطابق التوقّع مع الواقع تقوم بينك وبين العمل فجوة ويحدث جفاء!، وترتبك حول إذا ما كان حكمك نزيهاً!، لكن الارتباك شيء والغيظ شيء آخر، الغيظ في صعوبة إقامة علاقة مثالية مع الرواية الأشهر لأي كاتب!، ما لم تكن قارئاً عادياً، قارئاً أقل غزارة وجسارة وتفانياً، فإن في هذا الأمر دائماً ما يُغيظ!،..
ـ حسناً، وهل الحل في أن نبدأ قراءة نجيب محفوظ من "أولاد حارتنا"، أو ماركيز من "مئة عام من العزلة"، أو كونديرا من "خفة الكائن التي لا تُحتمل"؟!، الغيظ أن حتى هذا الحل لا ينفع إلا قليلاً وبالمصادفة!، فقراءة العمل الأشهر لأي كاتب، تصيبك بإحباط، أسمّيه إحباط الاكتفاء!،..
ـ كثير من القرّاء يكتفون بقراءة العمل الأشهر لكاتب ما، ويتجهون لكتّاب آخرين، نتيجة القلق الأزلي الأول الذي تحدّثنا عنه، وهو الإحساس، بل التّيقّن من أن العمر قصير، ولا يكفي للتأمّل في بساتين مُزارِع واحد!،..
ـ ونختم بالشيء الذي لا يمكنه أن يغيظ قارئاً حقيقيّاً: سعر الكتاب!، هذا آخر ما يُفكِّر فيه القارئ الحقيقي!، وعليه أن يشكر القرّاء الأقل عشقاً ووَلَهاً وشغفاً، فلولاهم لا نكشف هذا القارئ الحقيقي لبائعي الكُتُب، ولَتَضَاعَفَ سعر أي كتاب لأكثر من عشرين ضعفاً عمّا هو عليه!، ولسوف يشتريه!،..
ـ القارئ العادي، قارئ الصدفة والحاجة العابرة والتنزّه الخفيف، يشكّل بكثرته سدّاً واقياً، يمنع التّجّار من الجشع ويردعهم عنه!.