إلى شاعر شاب: الأسلوب والعاطفة!
ـ ليس للشعر طريقاً واحداً، ولا طريقةً واحدة!، يأتيك مثل الحزن والفرح من ألف بابٍ وباب، وفي أي لحظة ومكان، وعليك أن تكون مهيَّأً لمثل هذه المفاجآت السّارة حتّى في عذاباتها!.
ـ لكل شاعرٍ أسلوب، لكن هذه الكلمة لا يجب أن تبدو قاسية بما يخالف رقّتها وحيويّتها وخصوبتها، نعم يمكن مع قليل من المرونة والتسامح وضع عدد من الأساليب بين قوسين، والقول بأنها أساليب الشعر، حتى لو حدث هذا، وحتى لو أنه حدث على نحو أصيل، فإن المسألة لن تكون سوى ما تَكُونه الحروف الأبجدية بالنسبة للكلمات، والألوان الأساسية بالنسبة للرسم، وما تكونه الأعداد من الصفر إلى التسعة بالنسبة للأرقام!.
ـ فالأساليب يمكن دمجها وعجنها وخلطها، حسب الإمكانيات والقدرة والتّوجّه والموهبة ومهارة الصنعة، للخروج بعددٍ غير متناهٍ منها، أسلوب لكل شاعر، ذلك لأنّ من يدّعي أن لديه كل الأساليب، أو حتى عدداً وافراً منها، هو غالباً ذلك الذي لا يمتلك أسلوباً أصلاً!.
ـ الفرق شاسع حدّ التناقض بين أن تكتب بألف أسلوب، وبين أن تجمع ألف أسلوب، جمع طحين وعجن، في كتابة واحدة!.
ـ الرزانة والحيويّة والوضوح والالتفاف والجراءة والإضمار والانفلات والالتزام وغيرها، كلها دروب يمكن للشاعر اقتحامها، ويظل عطره واحداً، هذا العطر هو الأسلوب!.
ـ الشعر في نهاية المطاف صنعة، شأنه شأن كل فن وأدب، والصنعة تتطلب تفكيراً ومهارةً، غير أن التفكير لا يجب أن يكون في الأسلوب، على الأقل لا يجب أن يكون التفكير في الأسلوب عميقاً!.
ـ ليؤرقك المعنى، ولتعذّبك الأفكار، ولتتعبك الصياغة، أمّا الأسلوب فكلّما فكّرت فيه كلّما تشتّت!، وكلما تقصّدته أضعته!، وهو إن أرّقك فلن يُورقك!.
ـ تدبّر، لكن متى ما لقيت أن أصابعك صارت مساطر أو أدوات هندسيّة، فاعلم أنّك أخطأت المقدار اللازم للتدبّر!.
ـ الغفلة أعلى شأناً وبكثير من تدبّر كهذا، دائماً يلزمك بعض السَّهَيَان!، وفي كثير من الأحيان يكون السهو كافياً، خاصةً إن سهوت عن قلبك وتركته ينزل إلى أصابعك!.
ـ العاطفة أمر ضروري، هي الماء الذي يسبح فيه كل شيء، لكن انتبه، عاطفة الشعر شيء وعاطفة النقد شيء آخر، وأنت إن أردت الشعر فعليك ألا تلتفت كثيراً لعاطفة الناقد فيك!.
ـ أما الآخرين فلا يهمّونك أبداً!، يمكنك بسهولة تهدئتهم خارج الشعر، قل لهم: أنتم بالتأكيد تريدون مني أسلوباً أعجبكم عند غيري، حسناً، يا لحظّكم الطّيّب، تستطيعون فيما لو لم أُعْجبكم أن تعودوا لشعراء آخرين سبق أن راقت لكم أشعارهم وأساليبهم، أمّا أنا فلو أنني لقيت من يعبّر عنّي بما لا يُحْوِجني لكلام لما كتبت شعراً أصلاً!.
لا تتقيّد بكلماتي هذه حرفيّاً، حاول أن تدافع عن غرورك الفني العظيم بكلمات توحي بتواضع أكثر حميميّةً وقبولاً!.
ـ المسألة كلها فيك أنت، حاذر أن تذبح عاطفة شعرك بعاطفة نقدك!،
ـ عاطفة النقد ذكوريّة أبَويّة، عاطفة الشعر أنثويّة أُمُومِيّة!.
عاطفة النقد توجيهيّة وتربويّة، عاطفة الشعر محبّة بلا نهاية ودُون مُجَاهَدة!.
ـ الأبوّة مهما ادّعت لنفسها، فإن فيها جزءاً ثقافياً، مُكتسباً من الخارج!.
الأمُومة كلّها داخليّة، منذ أول الخليقة وإلى نهاية الدّنيا، عاطفة الأم واحدة، لا يزيد منها حضور مصلحة، ولا يقلل منها غياب ثقافة!.