مؤامَرة حسناء!
ـ العمل الفنّي لا يأمر، يتآمَر فقط!، لكنه يتآمَر لك لا عليك!.
ـ كل عمل فني حقيقي هو عمل مُتآمِر!، يتآمَر على نفسه أولاً، وإلّا لما أمكنه أن يكون جديداً، ويتآمر على أدواته ووسائطه ومفرداته أولاً أيضاً، وإلّا لما أمكنه أن يكون متطوِّراً!، ويتآمَر على المفاهيم أولاً كذلك!، وإلا لما أمكنه التنفّس من خلالها، تكاد تكون حياته قائمة على أربع: التشكيك فيها، أو تغييرها، أو إفنائها، أو استبدالها بمفاهيم جديدة، أو بمفاهيم تبدو أنها جديدة بسبب الغوص عميقاً في مفاهيم قديمة، أكثر من أي وقت مضى!.
ـ كل ذلك يحدث "أولاً"!، ليس هناك ما هو ثانياً أو ثالثاً في الشغل الفنّي، فإن تبيّن لك أن هناك أولويّة تسبق أولويّة، فإنك في هذه الحالة فقط تكون أمام عمل فنّي يتآمَر عليك!، يفعل ذلك عامداً، أو يفعله لخيبةٍ في موهبة الفنان وقصور في مهاراته!.
ـ يمكن لك، وللنقد، معرفة كيف تشكّل العمل الفنّي، وبرمي الشبكة في بحر العمل، يمكن لنا صيد بعض مقاصد العمل وأهدافه وغاياته، تخميناً أو ترجيحاً، لكن أبداً لا يمكن لنا معرفة لماذا بدأ هذا العمل، فإن عرفنا لماذا بدأ، فأحد أمرين: إمّا أننا لا نتحدث عنه حينها كعمل فنّي بل كتاريخ، وإمّا لقصور ونقص في ذلك العمل!.
ـ نقول أحياناً: إن هذه القصيدة كُتِبَت، وأن هذه اللوحة رُسِمت، لأنه حدث كذا وكذا، ويمكن للأسباب أن تكون صحيحة، لكن وبقليل من الملاحظة، سنكتشف أن هذه المُسبِّبات تحدث كل يوم تقريباً، للناس عموماً بما فيهم أهل الفن والأدب، على الأقل لا تكاد تمر سنة على فنان، إلا وفيها شوق وحب وعتب وغضب وفقد وحاجة في النفس لم تُقضَ، فلو كانت هذه المُسببات كافية لصَبّت الدنيا يومياً مئات الآلاف من الأعمال الخالدة!، بل ولكرر نفس الفنان عشرة أعمال متطابقة تماماً وليست متشابهة فقط كل سنة على الأقل!.
ثم أننا وفي هذه الحالات نكون في حديث عن تاريخ العمل وليس عن فنّيّته!.
ـ من ناحية أخرى، فإن المجتمع ـ أي مجتمع وفي كل وقت ـ يتآمَر على الفن!، يحاول دائماً استلاب جمالياته لقضاء مصالحه، والجماليات تطلب البقاء والديمومة، بينما المصالح متقلِّبة وسريعة الزوال، لذلك ربما ليس هناك فنان حقيقي واحد تحت الأرض أو فوقها، متصالح تماماً مع مجتمعه!.
ـ القارئ الموهوب، المتلقّي ذو الفطنة والمهارة، مثله مثل العمل الفني الأصيل والحقيقي: يتآمر على نفسه، وإلا فكيف له أن يُغيّرها!.
ـ في الفن فقط: التآمر جَمال ومَحبّة وصَلاح!.