للقصيدة ما في الحسبان.. وللشعر ما ليس في الحسبان!
ـ الشاعر أكثر من يخربش على الورقة، أكثر من يغضب من نفسه وكلماته، فيقبض على الورقة ويرميها بعيداً.. أو قريباً، لا أظن أن أحداً أكثر شطباً من الشاعر!.
ـ الشعراء ملوك الخربشة، لا تكاد تتعرّف في مسودّاتهم الأولى على شيء، يمكن لنفورهم من كلمة واحدة تمزيق عشرات الأوراق!.
ـ باستثناء الإيقاع وسلامة النغم والقافية، لا يعرف الشاعر الصواب إلى أن يلقاه، لكنه يعرف الخطأ قبل أن يقع عليه، أو لحظة الوقوع فيه وعليه، والأصح أن خطأ الشاعر عادةً لا يكون في غياب الصّواب، لكن في غياب المراد!.
ـ ومراد الشاعر لا يكون معروفاً أصلاً قبل أن يقع عليه، سَمّ الأمر صدفةً أو سَمّه إلهاماً، وإن شئت سَمِّه خلاصة البذل ونتيجة الجهد، لكنه وفي كل الحالات كان غائباً عن الشاعر، وعن الجملة الطبيعيّة، وعن الظنون كلها، لا يكشف عن ذاته إلا حين يتشكّل في كلمات لم تكن في الحسبان!.
ـ كل ما في الحسبان عاجز عن أن يمنح الشعر ذروة وكهرباء!.
ـ ما في الحسبان للقصيدة، وما ليس في الحسبان للشعر!.
ـ أظن أن آخر من سوف يستغني عن الأوراق هو الشاعر، الأزرار لا تفي بغرض، والكيبورد بلا رائحة!.
ـ وبالرغم من كل تعذيب الشاعر للورقة، فإنه ليس أحب للأوراق من حبر الشاعر وأنفاسه ووسواسه، وفوضويّته، ومزاجيّته؛ ذلك لأن الأوراق تعرف أن الشاعر، وحده دون سواه، ومن خلال فعله الغرائبي هذا، يحررها من عبوديّتها، ويُمكّن الدفاتر من العودة إلى الغابة حيث أشجارها!.
ـ على من يرفض عجن المتناقضات، وجمع المتنافرات، وقُرب المتباعدات حيث كل ما يتمرّى لا يكاد يرى سوى ضدّه، ألا يقرأ الشعر، أو أن يكتفي بأقلّ نماذج الشعر شأناً وقيمةً، بالمدرسيّ والمُوَجّه!، ذلك أن كل قصيدة شعر حقيقيّة، تحمل في داخلها، وتكشف من اسمها، أنها أرض اجتماع المتفارقات!.
ـ حين نقول "قصيدة شعر"، فكأنما نقول "نار ماء"، أو "عداء حميم"، أو أي كلمتين متنافرتين في طبيعة القاموس والاستخدام!.
ـ القصيدة من "القصد"، والقصد يعني أننا نعرف تماماً ما نريد الوصول إليه، وهذا يعني أن ما نريد الوصول إليه موجود سلفاً، ومحدّد تماماً، وثابت أو لا يتحرك سوى في منطقة ضيّقة، وإلا لما كان للقصدية هنا وجود ومعنى!.
ـ الشعر من "الشعور"، والشعور نقيض المعرفة، نعرف أن الأرض تدور لكننا لا نشعر بذلك، ونشعر بالحنين والشوق لكننا لا نعرفهما، نعيشهما ونترك لهما حريّة التصرّف فينا، لكننا ومنذ تعلّمنا الكلام، نحاول عبثاً حصرهما في "تعريف" دون جدوى!؛ ذلك لأن الشعور مُنفِلت، مثله مثل العِطر تماماً، إن نحن جمعناه في قارورة محكمة الغلق لا يمكن لنا شمّه، وهو لا يُشَمّ إلا منفلتاً وعابراً، وبلا تعريف محدّد يسمح لمخلوقَيْن في العالم باتفاق نهائي عليه وحوله وفيه؛ فالكلمات التي نقولها تعبّر عن العبير لكنها لا تُعرّفه!.
ـ والعطر إذ يفوح فلا مقصد له غير أن يفوح، ولا مكان له ليصل إليه، ينتشر وكفى!.