أكل من أَرَقِ جبينه!
ـ الفضل الإنساني، الاجتماعي، محفوظ ومقدَّر، لكن حين نتحدّث عن الفضل الأدبي والفنّي، فإن المبدع لا يُثقل كاهله بمثل هذه الأمور، لا فضل للمواضيع عليه، مهما عَلَتْ وجَلّتْ، ولا فضل للإعلام عليه، مهما ادّعى أحدهم بأنه قدّمه وأثنى عليه وأخذ بيده وساعده،..
الفنّان المبدع: يأكل من أَرَقِ جبينه!..
ـ إن أنصفه الإعلام، وإن حظي بتقدير رسمي أو جماهيري، فإنه حظي بردّة فعل طيّبة، لفعلٍ منه أطيب وأعذب!،..
ـ ليس مطلوبًا من المبدع أن يكون فظًّا، وهو حين لا ينتمي لغير فنّه وضميره وموهبته وعمله الفنّي، لا يكون فظًّا أبدًا، وهو غير مسؤول عن الفهم الخاطئ، ليعتذر!..
ـ مثلما أن الذّوق الفنّي الرّفيع، والفهم السليم للناس، يخص الناس، ويُفترض أنه يُسعدهم، وأنهم تعبوا عليه من أجل أنفسهم، ومن أجل سعادتهم، إنه واجبهم تجاه أنفسهم، فإن لم يشكرهم عليه؛ فلأنه في هذه الحالة، أمام أكثر وأكرم الأوضاع استدعاءً لعبارة: "لا شكر على واجب"!..
ـ من يقوّي نظره، بمجهرٍ أو بعدسات، أو بأكل جزر!، أو يذهب إلى الصحراء ليلاً، ليشاهد روعة النجوم وجَمال ارتعاشات الضوء، لا يحق له مطالبة النجوم بشكره، هي تشكره بجمالها، فإن لم يحس ذلك في داخله، ويستشعره بروحه، فخيبته تخصّه وتعمّه، ولا تعني سواه!..
ـ هناك من يُثقل على المُبدع، فقط لأنه أُعجب بعمله الإبداعي، فقط لأنه قال في حقه كلمات إطراء عذبة، والأمر بسيط: إن طلب فنان من أحدٍ مدحه والإطراء عليه وترديد اسمه، فلا الأول فنان مبدع، ولا الثاني متلقٍّ أو إعلامي حقيقي، حتى وإن عمل الأول في مجال الفن والثاني في مجال الإعلام والثقافة!، هذه صفقة، وهي على خِسّتها، يمكن تفهّم شروطها!، أو هي "فزعة"، وهي على تهافتها، يمكن تفهّم الأخذ والرد فيها!،..
ـ الفنان الحقيقي، المبدع الحقيقي، لا يعقد مثل هذه الصفقات، ولا يطلب "فزعة" من أحد، ولا يتّكئ على شلليّة من أي نوع، بل إن الفنّان المبدع الحقيقي يطلب من أصحابه وأصدقائه الخاصّين، ألا يتورّطوا بالدفاع عنه، ويعفيهم برحابة صدر، وبمحبة صادقة، من أي حَرَج، فإن قالوا إن ذلك لا يُحرجهم، قال: ولكنه يحرجني!..
ـ عندما تُكرم هيئة، أو جهة رسميّة، فنّاناً، فإنها تُكرم نفسها، وتُقدّم ذائقتها ونهجها، وعندما يعبّر إنسان عن إعجابه، فإنه يعبّر عن ذائقته وفهمه، وعندما يُنصف الإعلام مبدعاً، فإنه يقوم بعمله، وعندما لا يُنصف فلأنه جاهل أو ظالم، أو طالب منفعةٍ ليست من حقّه،..
ـ وفي نهاية المطاف، لا ينفع الفنان، أن يقول: لو أُعطيت الفرصة والمجال لأبدعت!، الفنان الحقيقي هو الفرصة والمجال!، وقد جاء ليبدع، فإن لم يفعل، فكل أعذاره واهية، يمكن لأي فاشلٍ في أي مكانٍ وزمانٍ أن يتبجّح بها!.