الموت في أشهر كلمات الحياة!
ـ كلمة المحبّين الدائمة: "لا يفرّقنا إلا الموت"، وياما قيلت بحرارة صدق، وبمشاعر فيّاضة، وفي حالات كثيرة جداً يحدث الفراق دون موت، وفي حالات كثيرة يعجز حتى الموت عن التفريق بينهما، يكتفي بالبعد واستحالة اللقاء في الدنيا، يقدر على الفراغ لا الفراق، فهل كانت كلمة المحبين الدائمة: "لا يفرقنا إلا الموت"، كاذبة، أو غير صحيحة؟
ـ ظنّي: لا، الكلمة صادقة طالما أن الحب حقيقي، المُراوِغ الوحيد هو الموت نفسه.
ـ للموت أشكال كثيرة، وله حياة ممتدة معنا منذ الولادة، والذي يحدث في آخر أشكال الموت، هو موت الموت نفسه، والغريب أن هذا هو أشد ما يحزننا.
ـ تموت خلايا وتتجدد خلايا، واللحظة التي كتبت فيها الجملة السابقة ماتت الآن وحلّت لحظة هذه الجملة، وقراءتك لما سبق صارت الآن زمناً ماضياً لا يمكن الرجوع إليه إلا في حنين أو تأمل أو مراجعة أو اعتراض هذا زمنه، وسينقضي، ها هو انقضى ودخلتَ في لحظة جديدة، وهكذا..
ـ الظروف والأماكن والمشاعر والأفكار، كل شيء فينا ولنا، يموت بسرعة، وتتبعه حياة جديدة بسرعة أيضاً، تموت هي الأخرى بسرعة، وهكذا، إلى أن يأتي الموت الذي معه يموت الموت نفسه!.
ـ لذلك لا يمكن القول بأن كلمة المحبّين الدائمة: "لا يفرقنا إلا الموت" كاذبة، أو غير صحيحة، هي فقط قيلت في حياتها وزمنها، وبالتأكيد عاشت حياتها وزمنها سعيدة بهذه القناعة، قد تقدر على تجديد عهدها آلاف المرات في اليوم الواحد، غير أن ذلك لا يكفي.
ـ على أهل الحب أن يعيشوا كل لحظة بلحظتها، وأن تكون كل غمضة عين نظرة جديدة، وإلا فإن الموت يدخل من كل باب، ويأتي من كل زاوية، وفي كل وقت، ولا دليل على وجود الحياة وتدفّقها سوى هذه الميتات الصغيرة المتلاحقة.
ـ وحين قلّبت العرب أشعارها، بحثاً عن أكثرها حمقاً، تصدّر هذا البيت:
أهيمُ بدَعْدٍ ما حِييتُ فإن أَمُتْ...
أُوَكِّلْ بدَعْدٍ من يَهِيمُ بها بعدي!.