2017-06-01 | 03:51 مقالات

تراثنا غريب الوجه واليد واللسان!

مشاركة الخبر      

ـ لو لحِقَ الجاحظ فن المسرح، لكان أحد أهم عباقرته على الإطلاق!، ولو اهتمّ أهل المسرح عندنا اليوم بأدب الجاحظ، لأخرجوا لنا أعمالاً، صعبة التِّعداد، سهلة الإعداد والإمداد بكل ما هو طريف ممتع لا يخلو من حكمة. 

 

ـ الجاحظ عبقري كتابة مثلما هو المتنبي عبقري شعر، ومثلما هو الجرجاني عبقري في نقد الشعر والتنظير له.

 

ـ فيما لو كان الجرجاني صاحب "أسرار البلاغة" بيننا اليوم، لقفز بكل فنونا وآدابنا إلى مراحل متقدّمة جداً، الجرجاني في النقد مثله مثل طرفة بن العبد في الشعر، ليس لأي منهما إنتاج غزير، استغنيا بالفخامة عن الضخامة!..

 

ـ ابن طفيل هو بالنسبة لي صاحب أول عمل روائي متكامل، "حي بن يقظان" رواية فلسفية بديعة، كأنها كُتبت الآن!، لغتها تتجاوز الزمن وتقفز عليه، العجيب أنها لم تُصنّف حتى اليوم كرواية، كل ذنبها أنها كُتبت قبل أن يعرف العرب الرواية كنوع أدبي مستقل ومحدّد!.

 

ـ عمر بن أبي ربيعة، لو حضر زماننا هذا، فسيكون شاعراً شعبياً غنائياً، ولن يقترب منه أحد في هذا المجال، في عصره كتب الشعر ليُغنّى!، ولم يهتم أبداً بآراء أهل اللغة، أدخل على الفصحى أكثر من مئة كلمة ليست عربية، من الروم والهند وبلاد فارس، لم يكن مبالياً أبداً في هذا الأمر!.

 

ـ أبو تمّام، فيما لو كان بيننا، فسيكتب الشعر الحر، تشعر دائماً بأن مساحات الأسطر والأشطر تضيق بأفكاره!.

 

ـ ولأسباب غير ممسوكة تماماً، لا أتخيل "أبو نواس" في زمننا هذا، غير مخرج سينمائي بديع، تثير أفلامه شغب اعتراضات، وضوضاء أسئلة، يحصد الجوائز ويكسب شبّاك التذاكر، وهو الأمر الذي صعب جمعه لمخرج سينمائي عربي من قبل!.

 

ـ المتنبّي سيظل على ما هو عليه، قد تتغيّر الأسماء في قصائده، أما الأفكار والمعاني والرؤى والأوزان والقوافي فستظل هي هي، ذلك لأنه ما من شعر يفوق شعره، لقد كتب كل ما يمكن كتابته، ربما تتغيّر التهمة، تهمة النبوءة، أو يُضاف إليها معها تهمّة التحزّب، فقد كان الرجل عربياً متشبثاً بقوميّته إلى أبعد حد، وما الذي يمكن لمثله فيما لو حضر وشاهد الدنيا اليوم سوى أن يردد:

ولكن الفتى "العربيّ" فيها..

غريب الوجه واليد واللسان!.

 

ـ الغريب أنهم جميعاً بيننا اليوم، وغيرهم من النوابغ والعباقرة كثير، لكننا نُصر على موتهم، على التعامل معهم كتراث متحفي، وأنبّه: الذين هم "بيننا" اليوم عبر نتاجهم بالأمس قد لا يكونون "معنا" غداً، إذ قد يستاءون من تجاهلنا لهم فيعلنون الرحيل، للمتنبي أيضاً:

إذا ترحّلتَ عن قومٍ وقد قدروا..

أن لا تُفارقهم، فالراحلون: هُمُ!

شَرُّ البلاد مكانٌ لا صديق بِهِ..

وشَرُّ ما يكسب الإنسان ما يَصِمُ!.