سؤال البطولة: ما هو الفن؟!
ـ مهما ذاع صيت عمل فنّي، ومهما سمعت من عبارات الإطراء عليه، فإنه لا يكون عملًا فنيًّا بالنسبة لك، ما لم تتمكّن "شخصيّا" من الشعور به والقدرة على تقييمه، والحكم عليه حكمًا يخصّك، كلمات الحكم الجمالي يجب أن تكون بينك وبين نفسك أولًا، خارجةً منك متّجهةً إليك!.
ـ ما لم يكن الأمر يخص شراء سلعة، فإن قولك عن الشيء: "الناس يمدحونه" لا تكفي!.
ـ العمل الفنّي لا يكون بالضرورة فنيًّا لكل الناس، وهذا لا يعيب العمل ولا يعيبني كإنسان، ما لم أتصرّف كمسؤول عن هذا العمل من الناحية الفنيّة!.
ـ أمّا حين أُصنّف نفسي متذوّقًا لنوع فنّي معيّن، أو عدة أنواع، فإن أوّل ما يلزمني هو أن أكون ملمًّا بقدر كافٍ من المعايير والقيم الجمالية الخاصة بهذا النوع من الفن، شعرًا كان أم رسمًا أم مسرحًا أم موسيقى أم أي فن آخر.
ـ من المهم ألا تُشعرني هذه "اللزوميات" بالرهبة، وأن يكون تعاملي معها ومن خلالها، مفعمًا بمشاعر محبّة وسلام ومرح ورغبة في الاستمتاع، وأن أتقدّم نحو هذه الشروط والمعايير و"اللزوميات" بعاطفة وثقة، لكن بإخلاص وصدق أيضًا، وأن يكون الجهد لا الإجهاد رفيق رحلاتي الجماليّة!.
ـ قد أخطئ، وربما أقع في هفوات ضاحكة، وقد تظل تنقصني معايير أكثر دقّة وأرسخ ثباتًا، المهم أن أستمر في الطريق، وأن أكمل الرحلة طالما أنها ممتعة، ومن المهم أيضًا أن أكون أكثر تواضعًا، وأن أطمئن إلى أنني كمتذوّق جمالي متواضع حقًّا، أن أشهد بنفسي لنفسي، لها فقط، بحسن أدبها وكريم تواضعها في عمليّة التلقّي الفني للفن.
ـ مع الفن وأمامه وفي الطريق إليه: يمكن لأي مُكابَرة نسف جميع الوسائل والغايات!.
ـ الحكم الجمالي ضرورة للتعامل مع العمل الفني، لكنه قد يتخطّاه أيضًا، ويروح إلى كل مناحي الحياة، وليس إلى الفن فقط، فالجمال موجود في الطبيعة، وفي كثير من الأشياء المنفعيّة، وهذا أمر طيّب ويجعل الحياة أطيب وأجمل، لكن وفيما يبدو أنه دون اختبار معاييرنا وتقييماتنا على أعمال فنيّة خالصة، يصعب معرفة ما إذا كنا نمتلك معايير سليمة أصلًا!.
ـ هنا يصبح السؤال: "ما هو الفن"؟!، أكثر من سؤال، وأهم من أي استعراض للعضلات المعرفية أمام الآخرين!.
ـ سؤال: "ما هو الفن"؟، يشبه طرقنا لباب، ما إن يُفتَح، حتى ندخل عالمًا آخر، أكثر انضباطًا وانسجامًا، وأكثر قدرة على تحديد معايير جمالية معيّنة واختبار جدارتها، عالَم لن نعود منه إلى الطبيعة إلا وقد تقدمنا خطوات رائعة لمعايشتها جماليًّا، والإحساس بها حقًّا، عبر معايير جمالية قد نفلح في ابتكارها ما لم تُسعفنا خبراتنا السابقة، والتي سيكون لها أدوار كبيرة في عمليّة الابتكار!.
ـ ليس السؤال سهلًا، وتقريبًا لا يمكن الوصول إلى جواب قاطع ونهائي فيه، غير أن الرحلة ممتعة، وأمتع ما فيها هذه المراوغات الطريفة الحاذقة!، لكن الاكتفاء بهذه الكلمات المعبّرة عن صعوبة الرحلة، قد لا تكون خاتمة حسنة لهذه الدعوة، لا بد من التأكيد على أن الوصول إلى جواب ممكن، بل يتحقق في كل لحظة، ويتعمّق دائمًا، ويجلب مسرّات!.
ـ إنها تجربة مثل تجربة العشق، قد تكون كلمات الغير عنها وحولها مُسليّة، لكنها أبدًا لا تكفي لمنحك قصة حب أنت بطلها!.