مسلسل الجماعة.. يا للروعة!
ـ العمل الدّرامي الوحيد الذي يمكن لي القول بأنني تابعته، هو مسلسل "الجماعة"، كنت أظن أن الجزء الثاني سيكون أقل جودةً وإثارةً من الجزء الأوّل، لأسباب كثيرة،..
ـ من أهمها أن أحداث الجزء الأول جَرَت في فترة سياسيّة من تاريخ مصر، صار يمكن التعامل معها في السنوات الأخيرة بحريّة أكبر، وهي ذات الفترة التي ومنذ ثورة يونيو 1952، مع قليل من التحفّظ على كلمة "ثورة" هنا، وإلى فترة قريبة، كانت تُعامَل بتسيِّب وليس بحريّة!،..
ـ حريّة التعامل الفنّي، الدرامي تحديدًا، مع الفترة الملكيّة في مصر، بدأت في عهد حسني مبارك، الذي لم يكن عهده مانعًا للتسيّب المخجل في التعامل معها أيضًا!،..
ـ السبب الثاني هو أن أحداث المسلسل في جزئه الثاني، واقعة في واحدة من أكثر فترات مصر السياسية ارتباكًا، البناء من ناحية والغطرسة العسكرية من ناحية!، النظريّة البرّاقة والتطبيق المُنطفئ في كثير من زواياه!، عبد الناصر حيث توزيع الأراضي والسجون بالقدر نفسه!،..
ـ السبب الثالث الذي ظننت معه أن ضعفًا سيمسّ الجزء الثاني من مسلسل "الجماعة"، هو ثقل كل ما حدث بعد الجزء الأول من تطوّرات سياسية كبيرة في مصر، وغيرها من البلدان العربيّة، وكانت جماعة الإخوان ركيزةً أساسيّة فيه،..
ـ وأخيرًا، يحضر السبب الدرامي، وأنه ما مِن عمل عربي تقريبًا، تفوّق فيه الجزء الثاني على الأول!، وأن الأجزاء التي تعقب الجزء الأول عادةً ما تكون استثمارًا لنجاحه ليس إلا!،..
ـ يمكن إضافة أسباب أخرى: العمل التاريخي، وخاصة تلك الأعمال التي لا يزال لحضور شخصياتها نصيب من التأييد أو التنديد، ترتطم بأحجار ثقيلة، وتُجبَر على حَمْلها، ولا يقتل فنيّة عمل فنّي أكثر من الحذر وثُقل الكاهل!،..
ـ ما حدث كان مفاجأة!،..
ـ طوّح "وحيد حامد" بكل هذه الأسباب، رماها من النافذة، وفتح الباب لعمل درامي أصيل، ونزيه، ومؤثِّر،..
ـ عمل لا تتحرّك شخصياته بناءً على شعارات محفوظة مسبقًا، ولا تتقدّم أحداثه مكتفية بالحس الوثائقي!،..
ـ شخصيات من دم ولحم، تحزن وتفرح وتعدل وتظلم وتصيب وتخطئ وتثق وتشك وتطمئن وترتبك وتحب وتكره وتصاحب وتعادي وتتفق وتختلف وتتصل وتنفصل، بسلاسة وطبيعة بشريّة، تُمكّنك مما هو أكثر من تفهّمها: من تدبّرها، وأكثر: من التعاطف معها في حالات، والنفور منها في حالات أخرى!،..
ـ شخصيات مثل عبد الناصر والهضيبي وسيّد قطب تحديدًا، تُقدَّم وكأنها تُقدّم للمرّة الأولى، بأداء درامي لافت، وبعين مخرج لا يكاد يُفوّت صغيرةً ولا كبيرة!..