2017-08-20 | 04:35 مقالات

لست وحدك يا شيراك..!

مشاركة الخبر      

‎التاريخ 9 يوليو في صيف عام 2006.. كل أنظار العالم كانت متجهة صوب برلين.. كان الفرنسيون والطليان في ذلك المساء أكثر ترقبًا من غيرهم.. والمناسبة كانت نهائي أكثر الرياضات شعبية حول العالم.. النهائي الذي بدأ وسارت جميع تفاصيله باتجاه تتويج "الديوك" بلقبهم العالمي الثاني.. لكن الرياح عاندت السفن كثيرًا.. حتى انكسرت أقوى صواريها بخروج "زيزو" مطرودًا بالبطاقة الحمراء..!..

 

لن أنسى ما حييت تلك اللحظة التي غادرت فيها أقدام الأسطورة أرض الملعب، ليمر بجوار كأس العالم فيرمقه بنظرة الندم.. نظرة كانت هي الأقسى في تاريخه وتاريخ الفرنسيين.. فالرجل الذي أوصل فريقه للنهائي بعد أن جندل كل أسماء البرازيل ونجومها.. غادر بعد أن تقدم لمنتخبه بهدف قربه أكثر من الكأس للمرة الثانية بقيادة ذات الرجل.. 

 

لست هنا لأضع المبررات حول التصرف الذي دفع به أن يطرد.. ولا الدوافع التي أخرجته من طور التركيز إلى نزعة الانفعال.. مؤكدًا رفضي لكل خروج عن الروح الرياضية.. لكنني بالتأكيد لن أذكر "ماتيرازي" بأي خير ما حييت..!..

 

بعد تلك الحادثة.. شنت بعض وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية حملة تجاوزت فيها مرحلة نبذ تصرف زيدان لتصل إلى مراحل الإساءة والتجريح، وكأنها تتشفى لجراح كان الأصلع هو المتسبب الأول فيها..

لم تمر تلك الإساءات والمشاهد مرور الكرام على الرئيس الفرنسي جاك شيراك.. والذي سارع في إبداء كامل احترامه وتقديره لمواطنه زين الدين زيدان قائد منتخب بلاده ليقول مقولته الشهيرة "زيدان.. فرنسا كلها تحبك"..

 

‎تقدم شيراك بكل وطنية وواقعية وثقة نحو وسائل الإعلام فقال: "ربما تكون هذه هي اللحظة الأصعب في مسيرة زيدان، لكنني أريد التعبير عن احترامي لهذا الرجل الذي يمثل كل معاني الرياضة الجميلة، وكان سببًا في ارتقاء الرياضة الفرنسية، بل فرنسا كلها".. وأضاف شيراك موجهًا حديثه لزيدان: "أنت عبقري فريد من نوعه ونموذج للانتماء؛ ولهذا فرنسا كلها تحبك وتعجب بك للأبد"..

 

التاريخ 4 يناير في شتاء عام 2016.. وفي مدينة مدريد الإسبانية.. يتقدم الحوت "فلورينتينو بيريز" ليبارك لعشاق الميرينجي تعيين "زين الدين زيدان" مدربًا للفريق الأول.. لم يكن بيريز حينها بحاجة إلى البحث عن أي مفردة أو جملة للتعريف به أمام جماهير الملكي.. فكل زاوية من زوايا السانتياغو بيرنابيو تعرف ترددات أنفاسه ونبضات قلبه.. وكل مدرجاته تحتفظ له بالود والولاء.. وتشاركه الانتماء..

 

احتاج ذلك العاشق إلى 19 شهرًا فقط ليقدم لملايين المدريديستا حول العالم سبع بطولات وزع فصولها.. وكتب سيناريوهاتها ذلك الأصلع العاشق.. ابتداء بالسانسيرو الإيطالي.. ثم يوكوهاما اليابانية.. مرورًا بتروندهايم في بلجيكا.. فملاعب الليجا الإسبانية.. ليعود مجددًا من كارديف الأسكتلندية.. ومنها إلى السانياجو من جديد معلنًا انتهاءه للتو من كتابة الفصل السابع في كتاب أمجاد المدرب "زيدان"..

 

ولأنه زيدان.. فالأطماع لن تتوقف.. وسقف الطموحات تجاوز أفق العشاق.. لأنه زيدان فإن الثقة هي الوقود، والعشق هو أكسيرها..

 

هي الثقة ولا غيرها.. منحها بيريز لرجل وثقت به بلاده فكان في الموعد.. ووثق به بيريز سابقًا لاعبًا فلم تهتز تلك الثقة.. وهاهو يثق به مدربًا ليكرر مجددًا تعريف الخط المستقيم بأنه أقصر مسافة بين نقطتين..!

ثقوا في رموزكم.. امنحوهم المساحة لتقديم ما لديهم في خدمة وطنهم.. وإذا طرحتم فيهم الثقة فكونوا أول من يحاسبهم وأقوى من يحميهم ويدافع عنهم..!..

 

دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..