2017-08-30 | 03:45 مقالات

خالتي وأمي

مشاركة الخبر      

في مجتمعنا السعودي الحميم، تشكل العلاقات الأسرية رابطًا مقدسًا له أبعاده الدينية والاجتماعية التي نفتخر بها؛ ولذلك فإن صلة الرحم لها مكانتها العظيمة، حيث حفظنا وفهمنا واقتنعنا بأنه "لا يدخل الجنة قاطع رحم"؛ فأصبح الإنسان محظوظًا كلما زاد عدد الأرحام الذين يصلهم؛ ليزداد قربًا من الجنة بإذن الله، ولذلك أكتب اليوم عن "خالتي وأمي".

 

"شيخة المدلج" أكبر شقيقات أمي ـ رحمها الله ـ، لم تكن مجرد "خالة"، بل كانت أمًّا للجميع، ترعاهم وكأنهم أبناؤها وبناتها، فيجدون عندها الحنان الذي يفيض من قلبها ويجري على لسانها وهي تسأل عن تفاصيل تفاصيل حياتهم، وتمطرهم بالأسئلة الدقيقة عن أسرهم ودراستهم وأعمالهم؛ فيشعر كل من يزورها بأنها والدته التي أنجبته وأرضعته، ولعل حظي كان أكبر من غيري؛ فقد أرضعتني فعلاً، فكنت الأقرب لها يغبطني البقية لأنها "خالتي وأمي".

 

"شيخة المدلج" إنسانة مختلفة عن الجميع؛ لأن قلبها الكبير يتسع للجميع، فقد كانت حين تذهب لزيارة الطبيب تحكي له عن أعراض الأمراض التي تعاني منها نساء الجيران، ولا تعود من المستشفى إلا وقد أخذت لهم مواعيد مع الأطباء أو أحضرت معها أدوية معروفة لأمراضهم المعروفة، وأتذكر أنني زرتها في المستشفى للمرة الأخيرة، وكانت تنزع عن فمها جهاز الأكسجين لتسألني عن والدي وابنيّ راكان ومشعل، أو لتطلب مني تناول المزيد من الرطب وشرب فنجان آخر من القهوة، فبعد وفاة والدتي كانت تؤكد في كل زيارة أنها "خالتي وأمي".

 

"شيخة المدلج" اختارها الله في خير أيام الله، فوافتها المنية في عشر ذي الحجّة بعد معاناة طويلة مع المرض، نسأل الله أن تكون كفارة لجميع ذنوبها، لتقابل الله وقد نقّاها من الخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، فقد كانت دعوتها الدائمة "يا الله حسن الخاتمة"؛ فاستجاب لها ربها وأحسن خاتمتها، وأسأل الله أن يجمعها بوالدتي في الجنة فهي "خالتي وأمي".

 

 

تغريدة tweet:

 

استوقفتني صورة رائعة للوفاء وصلة الرحم حين كتب ابنها/ أخي في الرضاع "محمد العثمان المدلج"، محددًا مكان العزاء: "أحبتي.. من سألكم عن العزاء فالنساء في بيتها والرجال في بيت ابنها ناصر"، أي وفاء يا "أبا فهد" وأنت تسمي بيتك "بيتها"، ويشهد الله إنك وإخوانك وأخواتك مدارس في الوفاء الذي ورثه أحفاد "خالتي وأمي"؛ فكان الترابط بينكم نموذجًا للترابط الأسري الذي يميز مجتمعنا السعودي، ويعلم الله أنني تمنيت أن أكون معكم، ولكن السفر حرمني هذه الأيام حضور العزاء لعدم توفر الحجوزات، فكان هذا المقال لنقل المشاعر، وعلى منصات صلة الرحم نلتقي،،