كلنا عيال قرية
أصعب شيء يمكن أن يواجهه الكاتب الصحفي هو زحمة الموضوعات المهمة خلال الأسبوع والأصعب أن ينتظر القراء منك موضوعاً يهمهم ثم تفاجئهم بموضوع آخر لم يكن في حسبانهم ..وقد مررت بهذا الموقف كثيراً بل أن بعض القراء كان واثقا من كتابة الموضوع الذي يريد وحينما تغير المقال أرسل غاضبا ومهاجما، ورضاء القارئ غاية لا تدرك لأنه ببساطة يريدك أن تكتب وجهة نظره وكأنك أداة لخدمته وتوصيل أفكاره للآخرين ويتجاهل ذلك القارئ أن له وجهة نظر وللكاتب أخرى فليس من المعقول أن يقوم الكاتب بطرح رأي لا يعبر فيه عن شخصيته بل عن شخصيات الغير.. وذات مرة أوقفني شخص وقال لي بغضب لماذا لا تكتب عن مدرب المنتخب؟ ومن خلال حدة السؤال ونبرة الصوت يتضح أن ذلك الشخص لا يرغب في وجود المدرب بالطبع ليس الجوهر لأن الموضوع قديم وأحببت أن أقدم له درسا في احترام آراء الآخرين فبادرته على الفور معك حق فهذا المدرب رائع ومتميز وأوعدك أنني سأمتدحه في مقالي المقبل فصرخ غاضبا وقال: لقد فهمتني بالخطأ.. واستطرد إنني أرغب أن تقوم بمهاجمته فهو مدرب فاشل وبدأ يسرد عبارات إنشائية تحمل معانيا متعددة من الشتم فقاطعته على الفور فقلت وهل أكتب المقال باسمك أم باسمي فقال: لا فأنت الكاتب وليس أنا ثم بادرته بسؤال مفاجئ.. وإذا كانت وجهة نظري تختلف عنك تماما فأنا من المعجبين بالمدرب فماذا عساي أن أكتب في مقالي وجهة نظرك أم وجهة نظري؟.
ـ نحن نعاني من عدم احترام الآراء ووجهات النظر لأن كل شخص بعقله راض ورأيه الرأي ونحن نمارس الشجار وليس الحوار وحينما تتحول العقول والأفكار إلى هذا المستوى في فرض الرأي يكون الشخص "إقصائيا" ليست لديه حلول وسطية ويكون ما يتحدث عنه في القمة أو في القاع والشخصية الضعيفة والفارغة هي التي لا تستطيع الفرز والتحليل والتمييز فمن يخطئ مرة يحاسبونه عشرات المرات وليست لديهم القدرة على استيعابه فيجردونه من كل شيء لأنهم غير قادرين على التقييم المناسب واكتشاف المواهب القريبة منهم فكل شيء حولهم لا يمكن أن يقنعهم لأنهم يحتقرون أنفسهم ويظنون أنه لا يمكن أن يعيشوا مع أشخاص متميزين وأن الإبداع والتفوق والبروز لم يخلق إلا لأشخاص بعيدين عنهم ولهذا فهم يطبقون قاعدة المثل "من عرفك صغيرا حقرك كبيرا" وهذه القاعدة تمشى في عروقهم حينما يحاول من حولهم أن يظهر ما لديه يواجهونه بالقمع والتحطيم والتهميش والتحجيم ولسان حالهم يقول "كلنا عيال قرية" وقد قيل لأحد الأشخاص أن فلانا صار طبيبا.. فصرخ هذا الشخص غير مصدق للخبر وحينما سئل عن السبب قال "لأنه صديقي!!".
ـ في مجتمعنا للأسف الشديد نماذج كثيرة من هذا النوع الذين يعتقدون أن بروز الآخرين إساءة لهم وتقليلا من قيمتهم فيحولون اختلافاتهم إلى تناحر وحرب وشتم وقد شاهدت في الأسابيع الماضية أطروحات صحفية لا ترتقى للمستوى أثرت على مدرب المنتخب ناصر الجوهر وعلى اللاعبين وحتى الجماهير التي صبت جام غضبها بسبب التعادل مع سوريا وهنا تدرك أن جماهيرنا لا تعترف بأن المباريات الودية هي للتجريب والإعداد.