العنصرية ثقافة مجتمع يا سامي
من سوء حظ الرياضيين أنهم تحت المجهر الإعلامي نظراً لكثافته الكبيرة، فالرياضة المحلية تملك الإعلام الأكثر في منطقة الشرق الأوسط وتتفوق على بعض دول القارة العجوز، فهناك صحف متخصصة وملاحق رياضية وبرامج يومية وقنوات رياضية ومواقع إلكترونية بكافة أنواعها المتعددة تبحث عن المواد الدسمة وزلات اللسان، ولهذا تتضخم بشكل مبالغ فيه (الهفوات) وتتحول لقضية رأي عام بسرعة البرق، ومن هذه القضايا قضية العنصرية التي صارت الشغل الشاغل لكل المتعاطين مع المشهد الرياضي والبعدين عنه.
ـ طبعاً أنا أرفض استخدام شعار العنصرية وأعتبره سلوكاً (غير لائق) من أي شخص كان، وسوف أقف ضد هذا التوجه لأنه يضر (باللحمة الوطنية) وينافي التعاليم الدينية ويفرق بين أبناء الوطن الواحد، لكنني أعتقد أن ظهور (آفة) العنصرية في ملاعبنا الكروية قديماً وحديثاً هي نتاج ثقافة مجتمع كامل عجزنا عن التخلص منها وليس مرتبطاً بمدرج فريق يردد محبوه هتافاتهم العنصرية عند شعور ناديهم بالضعف لحظة اقتراب هزيمته، أو استخدام البعض مفردات عنصرية للتقليل من قيمة خصمه لحظة تطور الخلافات بينهما.
ـ ماجد عبد الله، سامي الجابر، محمد نور، خالد مسعد، أندية الاتحاد، النصر، الهلال، الأهلي، الشباب، ونجران، ونجوم وفرق كثيرة تعرضت لهتافات عنصرية طوال مسيرتها الكروية ونال (المذنب) عقوبات مختلفة، لكن هذا الموضوع لم يتعالج بل زاد وتجاوز حدوده، ومن وجهة نظر شخصية أن ذلك يعود لثقافة مجتمع يتعاطى بشكل يومي ودائم مع مثل هذه الأمور ولكنها لا تظهر لعامة الناس لانحصارها في (الحارة والمدرسة والاستراحة) وهذه الثقافة العنصرية لم نكن جادين في التخلص منها، فنحن ما نزال غير قادرين على المصارحة والمكاشفة بالاعتراف بوجودها داخل (الأسر) ومتغلغلة في صميم مجتمعنا فصارت الفروقات الاجتماعية التي نشعر بها ونلمسها في حياتنا العادية.
ـ مما لا شك فيه أنني متعاطف جدا مع الكابتن سامي الجابر ومع أي إنسان يتعرض لما تعرض له مدرب الهلال، فقد دافعنا باستماتة عن ماجد عبد الله ومحمد نور وأحمد جميل وجمهور كل الأندية ونجومها لكن الحديث في مقال اليوم عن قضية سامي وتقرير (العربية) المثير للجدل، وإذا كنا نثمن للزميل المتألق بتال القوس تقديمه الاعتذار عما ورد في التقرير من عبارة أطلقها مشجع هلالي ضد الجابر، إلا أن بيان مدرب الهلال الأخير يوضح أن الأمر تجاوز الحدود الرياضية وانتقل للمساس بتاريخ أسرته الكريمة ولهذا قرر الرفع لأعلى المستويات للحفاظ على مكانتها أمام كل شخص يريد التقليل منها بقصد أو بدون، وأظن الرجل محق في ذلك، لكنني أقول له حتى لو كسب الجابر صراعه القانوني مع (العربية) الذي وصفه بتال بالسلوك الحضاري في سياق تقديمه للاعتذار، فإن ذلك لا يعني أن العنصرية في ملاعبنا الكروية وفي مجتمعنا تكون انتهت، فهذه (الآفة) لها خيوط طويلة وعروق عميقة من الصعوبة بمكان التخلص منها بين يوم وليلة.
ـ وأخيراً أقول إن للكابتن سامي الجابر مكانة كبيرة في قلبي نظراً لتاريخه الناصع والساطع مع الهلال ومنتخب وطني، وللزميل الأنيق بتال القوس مكانة واسعة عند كل الرياضيين نظير ما يقدمه من برامج رياضية ممتعة على (العربية)، ولهذا أتمنى أن يتدخل أهل الخير في احتواء الموضوع بينهما وأن تحضر الروح الرياضية لإنهاء الخلاف، فدائماً أحب لغة التسامح وأتمنى إشاعتها بين عامة الناس وخاصتهم، مع تمنياتي بالتوفيق لسامي في مهنة التدريب، وبتال في مشواره الإعلامي، فهما من خيرة شباب وطني.