محمد رحل وترك ذكريات لا تنسى
لم يكن الأمير والشاعر والرياضي محمد العبدالله شخصية عابرة، بل كان رجلاً مؤثراً وصاحب (كاريزما) لافتة فقد جمع بين قوة الإرادة والثقافة العالية والروح الواثقة وكذلك القدرة على التوازن في الحفاظ على العلاقات بين كافة المجتمع الرياضي المليء بالخلافات الجانبية وهذا يؤكد قدرته الفائقة على أن يكون على مسافة واحدة بين جميع المتنافسين.
ـ أبو تركي -رحمه الله- كان صديقاً وقريباً لرموز أعضاء شرف النصر، وداعماً لنادي الهلال وتربطه علاقة عمل برئيس الشباب ومحباً لرئيس الاتحاد الأسبق ومساندا للكثير من أندية الوطن لتؤكد مثل هذه الأفعال التاريخية أن الراحل الكبير حضر للرياضة ليس من أجل الفوز والخسارة، فهدفه كان (أسمى وأنبل) من ذلك بكثير، وهذا لعمري قمة المثالية لكنة ليس بمستغرب من رياضي تخرج من مدرسة الرائد الوالد عبدالله الفيصل -رحمهما الله-.
ـ شاهدت الأمير محمدالعبد الله للمرة الأولى في الرياض في نهاية السبعينيات من القرن الميلادي الماضي في إحدي مباريات المدارس وكان وقتها (الحماس وفورة الشباب) تسطير على تصرفاتنا، وقد حضر سموه -رحمه الله- المباراة بصفته مسؤولاً في وزارة المعارف، وبعد اللقاء طلبنا إعادتها لكثرة المخالفات التي وقعت لكنه رد بعبارته الشهيرة (معصي) قائلاً: إن الموسم الرياضي المدرسي انتهي والامتحانات اقتربت فانصرفنا (نجر) أذيال الخسارة، لكننا اتفقنا أننا وقفنا أمام رجل يملك من الهيبة الشيء الكثير، وأنه صاحب رسالة سامية، فهو يريد أن يشاهد جيلاً لا يعرف الفشل أو الفوضى، ويجمع بين التحصيل العلمي وممارسة الرياضة وليس كرة القدم فقط.
ـ المرة الثانية التي قابلت الأمير محمد العبدالله عندما كنت مراسلاً للمحلق الرياضي بجريدة الجزيرة فبعد نهاية اللقاء الذي جمع الهلال بالأهلي في مباريات المربع الذهبي عام (1418) والذي شهد أحداثاً مثيرة، كان بطلها الحكم الدولي عبدالعزيز الدخيل الذي ألغى هدفاً صحيحاً للبرازيلي سيرجيو اتفق على صحته كل الرياضيين بمن فيهم الكثير من أعضاء شرف الهلال، وكنت أتوقع أن سموه سيهاجم الدخيل بعنف ويطالب بشطبه، لأنه تسبب في حرمان الأهلي الذي صرف عليه ملايين الريالات من بلوغ النهائي، لكنني وجدت (نفسي) أمام رياضي يتحدث بهدوء شديد ولغة راقية رغم الظلم الواقع علي فريقه الذي (حرم) من أبسط حقوقه فقلت لمن (حولي) أن الأهلي والحركة الرياضية السعودية تحتاج لمثل هذه العينة من الرجال أصحاب الشموخ الشاهق.
ـ نعم مات محمد العبد الله الفيصل ورحل عن الدنيا -غفر الله له ولوالديه- لكنه ترك ذكريات لا تنسى فقد كان نجماً ساطعاً في الأدب والشعر وقامة مرتفعة وعالية في الرياضة، ورجلاً أميناً في وظيفته الحكومية؛ فتعامل مع الجميع سواسية رافضاً الواسطة أو المجاملة التي تهضم حقوق المساكين والضعفاء.. وكانت عبارة (معصي) تتصدى للكثير من التجاوزات فتحولت إلى ثقافة حاول الكثيرون تقليدها لكنهم فشلوا فرحم الله أبو تركي رحمة واسعة، وجعله الله في جنات النعيم، وأنزل على جسده الطاهر وروحة الزكية الفرحة والسرور، وألهم قلوب أسرته وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان، وعوضنا على مصابنا الجلل خيراً.. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.