مرة أخرى.. رحمك الله
شيعت الكويت أمس بجنازة مهيبة وحفلة حزن ضخمة، فقيدها الكبير عبدالحسين عبدالرضا.. طائرة أميرية نقلت جثمانه من لندن إلى الأرض التي أحبها وعاش فوق ترابها العمر كله؛ حتى أصبح أحد رموزها وأعلامها وعلاماتها المضيئة.. ارتبط عبدالحسين بالكويت تاريخًا وحبًّا وتمسكًا وارتباطًا يفوق الوصف.. هنا في "الرياضية" طرحنا سؤالاً رمضانيًّا على ضيوفنا عن الفنان الثاني خليجيًّا بعد عبدالحسين؛ فنال ناصر القصبي نصيبًا وافرًا من الأصوات.. لم تأتِ إجابة واحدة على اختلاف أصحابها ويعترض كون عبدالحسين هو الأول.. كانت كالحقيقة المسلم بنتائجها.. الكويت دولة صغيرة وعدد سكانها قليل بمقاييس الدول.. هذه المساحة وتلك الأعداد أنتجت حضارة إنسانية عميقة في كافة المجالات..
الكويت تمتلك الريادة الفنية في الخليج.. وأبرز وأهم هؤلاء الرواد هو الراحل عبدالحسين.. يخطئ تمامًا من يعتقد أن حسين كان يشكل ثنائيًّا مع سعد الفرج أو خالد النفيسي أو سعاد عبدالله.. العظماء مثله ليسوا بحاجة إلى سند أو موهوب يساعدهم على العبور إلى ابتسامات الناس وعقولها.. أعمال عديدة لعبدالحسين لم تكن بجانبه أسماء قوية وجديرة بمجاراته، ومع ذلك نجحت وتميزت وسار بها الركبان.. هذا جزء من تعريف الأسطورة الإنسانية.. الأسطورة هو ذاك المبدع الذي يحمل الصغار معه من القاع إلى القمة.. ليس الأسطورة بأرقامه وإنجازاته فحسب.. تلفتوا من حولكم الآن وأعيدوا حسابات تعريف الأساطير.. وما أكثر الأساطير الملقاة على قارعة طريق ألسنتنا.. كان حسين أسطورة فنية.. من كلام وبكاء وآهات أسماء فنية كويتية في مراسم الجنازة تتعرف من جديد على معنى أسطورة..
الأهم من هذا، ألا يبحث الكويتيون والخليجيون عمن يحل مكانه.. على الأقل في المئة عام القادمة.. يكفي أن يستعيدوا أعماله ومسرحياته ومسلسلاته.. أظنها هي أيضًا ستكفيهم مئة أخرى من الضحك والانشراح وإزاحة الهموم والغم والكآبة ولو مؤقتًا..
مسيرة وسيرة "أبو عدنان" كتاب مفتوح لكل اسم كتبت عليه الأقدار أن يمتهن الفن والتمثيل.. لم يكن أبو عدنان سوى هامة باسقة تواضعت فازدادت علوًّا وارتفاعًا.. كانت موهبته بالفطرة.. موهبة تقول لكم وبالعربي الفصيح إن لم تكونوا موهوبين بالفطرة فإن أدوار الكومبارس تنتظركم وترحب بكم بين نزلائها سنوات مديدة.
مرة أخرى.. مئة مرة.. ألف مرة.. وسعتك رحمة وسعت كل شيء يا من موتنا من الضحك.. ومت أنت.