ليس مهماً أن تكون خلوقاً
ديننا الحنيف يأمرنا بالخلق الحسن، ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بعث ليتمم مكارم الأخلاق.. وفي كل مجالات الحياة تتمنى دائما التعامل مع أناس طيبين ومؤدبين وأصحاب أخلاق عالية.. لكن هذه الأخلاق وقواعدها ومكارمها ومبادئها ليست مهمة أو ضرورية في كرة القدم. الطفولة والصبا عشتها في رفحاء.. هناك في أطراف الشمال.. كنت مغرماً وعاشقاً لفريق مدينتي الصغيرة التضامن.. اضطر لقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام لحضور مبارياته.. كانت كل مواجهة أمام القلعة أو العروبة أو المسيرة أشبه بمعركة الطرف الأغر. من بداية المباراة وحتى نهايتها وهناك صراع وركل ورفس واحتكاكات واصطدام يعطي هذه اللعبة مزيداً من فلسفة المرجلة.. وإذا خرج التضامن خاسراً وهذا بالطبع نادراً ما يحدث في رفحاء فإن الحكم ولاعبي الفريق الضيف يكونوا مدعوين مباشرة لمعركة أخرى تكون فيها اللكمات والطراقات وضربات العقل سيدة الموقف.. لم يكن يعجبني في تلك الأيام المهاجمين أو لاعبي الوسط.. إطلاقاً.. كنت فقط مهتماً بالمدافعين وليس كل المدافعين بالطبع.. كنت أكره المدافع اللطيف أو الناعم أو الرقيق.. كان هناك مدافع اسمه سعود فهيد يمثل بالنسبة لمزاجي اللاعب الأسطورة.. ترتسم في وجهه كل علامات التحدي والقوة والصلابة.. يخشاه المهاجمون.. كأن لوحة (ممنوع الاقتراب) كتبت لأول مرة من أجله.. كلما دخلت ملعب التضامن لمتابعة إحدى المباريات أنظر لخط الدفاع، فإذا رأيت سعود فهيد ساد داخل أعماقي حالة ارتياح وإذا كان غائباً عن التشكيله شعرت بأن التضامن ربما يخسر بسهولة. حتى هذه اللحظة لا أعرف كيف تستقيم مسألة أن يكون المدافع خلوقاً. المدافع الذي لايملك رصيداً مجزياً من البطاقات الصفراء والحمراء غير صالح للاستعمال بالنسبة لي. المدافع الذي يدخل الملعب ولم يترك الأخلاق الحميدة في غرفة نومه فهو بحساباتي مدافع (نص كم). المدافع الذي يتعامل مع أقدام المهاجمين ورؤوسهم كما يتعامل الأطفال مع علب الآيسكريم أعتقد أنه ضل طريقه ويجب أن يراجع نفسه. هذه ليست دعوة للعنف والخشونة وتجاوز القانون لاسمح الله، وإنما فقط قراءة من زاوية خاصة لا أكثر ولا أقل. حتى أريكم ما أرى سأوسع الدائرة.. ليكون الهلال هو المثل والمثال.. قبل قرابة الخمسة عشر عاماً تنافس أصحاب القرار في البيت الأزرق مع أضدادهم النصراويين على ضم عبدالله الشريدة.. كان أهم مدافع سعودي في تلك المرحلة، واستطاع إبقاء فريقه القادسية في دائرة المنافسة مع الكبار.. اشترى الهلال عقد الشريدة بثمن بخس يستلمه الآن أحد الناشئين.. خسره القادسية وكانوا فيه من الزاهدين.. لازلت اعتبرها واحدة من أهم الصفقات المحلية وأكثرها فائدة. أعاد الشريدة للدفاع الهلالي توازنا فقده بعد اعتزال النعيمة.. ظل الرقم الصعب في معادلة البطولات الزرقاء أكثر من خمس سنوات.. كان الشريدة يشبه المحاربين القدامى.. يدخل أي مباراة بوجه عبوس قمطريراً.. مرات ومرات يخرج من المباراة بقميص تلطخ بالدماء .. وبالطبع حصل على حقه وافياً من البطاقات.. قوي وشرس وشجاع.. كأن المتنبي كتب قصيدته (اجارك يا أسد الفراديس مكرم) مدحاً وتغزلاً بالشريدة. قبل سنوات قليلة تعاقد الهلاليون أيضاً مع مدافع آخر اسمه أسامة هوساوي.. يقال إن أسامة أحد أسماء الأسد.. نتحدث عن أسامة هوساوي اللاعب.. يقال بأنه خلوق داخل الملعب وخارجه.. هذه خصال طيبة وكريمة. لكن هل الأسد فعلاً خلوق وطيب ويمشي جنب الحيطة؟ أعتقد أن الاتحادي أسامة المولد مثلاً يستحق أن يكون اسماً على مسمى.. يحمل الكثير من عشاق الهلال هوساوي مسؤولية خسائر تلقاها فريقهم محلياً وآسيوياً.. وجه أسامة هوساوي و(سيماهم في وجوههم) يوحي بأن خلفه يعيش شخص وديع وهادئ.. خرج من الهلال.. وأظن أن من يرى المدافعين كما أراهم قال بعد أن سمع الخبر (روح والقلب داعيلك).. الفرق بين أسامة والشريدة هي الأخلاق التي تصب أحيانا في غير مكانها.. من يختار أن يكون مدافعاً عليه أن يستنسخ صورة سعود فهيد وعبدالله الشريدة وأسامة المولد.. أما إذا كان مثل أسامة هوساوي فسيفوز بلقب اللاعب الخلوق وعقد بالملايين.. وسبحان موزع الأخلاق والأرزاق.