سيادة الرئيس.. يازينك ساكت
ما المطلوب منك إذا أردت أن تكون رئيساً اعتيادياً وتقليدياً لأحد الأندية السعودية؟ لاشيء أكثر من الكلام، (وكلام الناس لابيقدم ولايأخر) كما يقول صاحب الصوت المبحوح المطرب الشبيح السوري جورج وسوف، فكلهم عن بكرة أبيهم وبكرة أمهم لافرق بينهم، كلهم يتكلمون كثيراً.. وكثيراً جداً، وكلامهم متشابه مثل وجوه الصينيين. شخصياً لا أعرف رئيس ناد عريق وعظيم مثل مانشستر يونايتد الانجليزي.. رغم أنني أعمل في الصحافة الرياضية منذ سنوات، وأتمنى أن لايحملني أحد المسؤولية كاملة.. وربنا لاتحملنا مالا طاقه لنا به. صحيح إن معرفة من يقود النادي الملقب لاعبوه بالشياطين الحمر مسألة بسيطة ولاتحتاج أكثر من ضغطه زر والاستعانة بالعم (جوجل)، لكن الأهداف المطلوب إصابتها بعيدة المدى.. بعيدة جداً كالمسافة بين ملعب الصايغ وملعب أولد ترافورد. تنتهي البطولة ويرفع قائد مانشستر كأس دوري أبطال أوروبا.. يحسم الدوري ويتوج مانشستر باللقب.. يضيف اللاعبون كأس رأبطة الأندية المحترفة إلى خزانتهم المكتظة بالذهب، يحدث كل هذا وأكثر ولايظهر رئيس النادي على المشهد.. ليس زهداً بالضوء أو كراهية للإعلام والكلام ..أبداً، وإنما هي قواعد عامة وثوابت راسخة في قيادة الأندية المحترفة فقط.. احترافية الفكر والمال معاً. هنا يتغير كل شيء، فالرئيس ينشغل طوال الصيف بالنفي على الصحافة الرياضية لأنها أوردت خبراً يتعلق بتعاقد فريقه مع لاعب أو مدرب جديد، في باريس يجلس متوثرا مقعداً فاخراًعلى كرسي في مقهى وسط الشانزليزيه ويرفع هاتفه المحمول ويتصل بأحد البرامج الرياضية واصفاً الخبر بالكاذب، وأن من يقف وراءه ثلة من المشككين والمتآمرين.. والله وحدة المعين. يتعاقد الفريق مع لاعب إفريقي أو عربي.. فيبث المركز الإعلامي صوراً للرئيس مبتسماً حتى بانت نواجذه.. والصور طبعاً لاتكفي فالرئيس يقول في حديث مختصر إن اللاعب إياه ليس سوى هدية متواضعة لجماهير ناديه العاشقة..وأحلى الهدايا ياحبيبي هداياك. قبل بداية المنافسات المحلية يعقد مؤتمرا صحفياً تحتشد فيه كاميرات الفضائيات، يبوح فيه الرئيس بكل الأسرار والخفايا. قبل بداية المباراة الأولى أمام فريق ضعيف ومتواضع يتحدث الرئيس عن خصمهم ويحذر لاعبيه من الترشيحات والتوقعات، بعد المباراة والفوز يخرج الرئيس ويشكر المدرب وبعض اللاعبين. يحصل المدافع على بطاقة حمراء، يعتلي الرئيس منصة المحاماة وينبري دفاعاً مستميتاً، المدافع يدافع داخل الملعب والرئيس يدافع خارج الملعب.. ويبدو أنه نوع من تقسيم الأدوار الاحترافية. لجنة الانضباط تقرر إيقاع عقوبة الإيقاف، هنا الحكاية تحتاج كلاماً أكثر، الرئيس كالمعتاد بالمرصاد.. يتكلم فور صدور القرار باتصال هاتفي مع أول برنامج على الهواء. يخسر فريقه بأخطاء تحكيمية واضحة وصريحة ولايختلف عليها اثنان.. نعم ظلمهم الحكم. هنا ينتهي زمن الهدايا، يقول الرئيس: بكل وضوح نحن ندفع الملايين والحكام يهدرونها بصافرة رخيصة. هذا وجه واحد فقط، هناك أوجه كثيرة من كلامهم الذي لاينتهي.. لا أعرف ما أسميها، ربما تكون مراهقة إدارية.. ربما صفقة مقايضة، يدفعون الملايين مقابل الكلام والظهور والترزز. أن تكون رئيساً لأحد الأندية السعودية هل المطلوب منك بالفعل الكلام ودفع الملايين؟ ثم من قال لهم إن هذه الملايين التي تدفعونها بلا مقابل؟ إذا كنت تتكلم بهذه الطريقة وهذه الكيفية وهذه الكمية، فإن ما تدفعه ياسيادة الرئيس بالكاد يتوازى مع كلامك، لقد أصبحت مشهوراً ولك مريدون ومؤيدون ومدافعون ومناصرون..يناصرونك وينصرونك ظالماً أو مظلوماً، ربما بالفعل بينكم أيها الرؤساء من كان مشهوراًً ومعروفاً قبل رئاسة الأندية، لكن الشهرة الرياضية لاشيء يضاهيها ويوازيها ويعادلها ويجاريها في العالم الثالث.. فما لكم كيف تحكمون. إن رئيس مانشستر يونايتد يدعوكم أيها الرؤساء الأعزاء لدقيقة صمت ..دقيقة واحدة لا أكثر، وزمان الصمت ياعمر الحزن والشكوى. بالتأكيد إنها دعوة مرفوضة، فهم سيواصلون الكلام حتى نراهم لأنهم يطبقون ما قاله الفيلسوف الكلاسيكي سقراط (تحدث حتى أراك). إنهم باختصار شديد ظواهر رياضية موسمية صوتية.. إذا كان أحدكم أيها الرؤساء الأفاضل يريد أن يصبح ظاهرة خاصة في تاريخ رئاسة الأندية، فما عليه إلا الصمت.. والصمت أحياناً حكمة، وقديما قالوا إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. لتصبح رئيساً تاريخياً ما عليك إلا الصمت، أعرف أن هذا الطلب مستحيل، حاول إن استطعت وما أظنك تستطيع. الغريب أن بعض الأندية لديها متحدث رسمي، إنني لا أسخر ولا أتمسخر، هذه حقيقة لديهم متحدث رسمي، لكنه صامت وساكت إلى أجل غير مسمى.. أو مسمى..أو أجل آخر لايسمى.