الإرادة لوحدها لا تكفي
من أكثر الأمور التي تعيق تطور العمل، وتمنع اختصار الوقت، وتتسبب في تشتيت المجهود غياب التنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة، ولنأخذ مثالا بسيطا يكشف ذلك بجلاء، وزارة التربية والتعليم نجحت في إقناع القيادة السياسة بجدوى مشروعها المتمثل في تطوير الرياضة المدرسية، وبناء على ذلك تم منحها 8 مليارات ريال مقابل هذا المشروع الكبير، وفي المقابل فشلت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في إقناع القيادة السياسية بأهمية زيادة مخصصاتها المالية السنوية المتوقفة منذ سنين على الرقم المعروف وهو مليار و200 مليون ريال. الرغبة في استضافة "كأس آسيا 2019" تدعم ضرورة تكثيف التنسيق مع الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي مع رعاية الشباب، في ظل إمكانية تحويل إمكانات الوزارتين الرياضية المتطورة مستقبلاً تحت صلاحيات رعاية الشباب بما يعود نفعه على كافة الأطراف. ولعلي أتذكر صور أول تدريبات المنتخب البرازيلي في مونديال جنوب إفريقيا 2010، إذ تناقلت وكالات الأنباء العالمية والقنوات التلفزيونية خبر احتضان مدرسة ثانوية في جوهانسبرج لتدريبات "السامبا". سأتوقف طويلاً أمام جزئية مدرسة ثانوية في دولة لديها مشكلات أمنية ومالية وتستضيف مران المنتخب الأشهر عالمياً، وهو بالطبع ما عجزنا عن محاكاته سابقاً، وليس مبرراً أن نفشل في توفيره مستقبلاً. استضفنا محلياً العديد من المناسبات الدولية المختلفة على كافة المستويات، ولم تتجاوز التدريبات ملاعب الرئاسة المعتمدة أو ملاعب الأندية، وظلت هذه المنشآت حكراً على التدريبات الرسمية أو الودية، ولم تتجاوزها إلى أبعد من ذلك إلا في مناسبات قليلة لا تكاد تذكر. أعتقد أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب كانت ولا زالت تشدد على أهمية الرياضة المدرسية من دون النظر إلى مقومات هذه الرياضة المهترئة منذ أعوام طويلة، وبالتالي انعكاسها سلباً على مخرجات التعليم رياضياً، متناسية أن هذه الرياضة هي التي قدمت نجوم الكرة السعودية الكبار أمثال ماجد عبدالله وصالح النعيمة ويوسف خميس ويوسف الثنيان وفهد المصيبيح وأحمد جميل ومحمد عبدالجواد، وقائمة طويلة من النجوم الفاخرين. جميل أن تعود بطولات المدارس إلى الواجهة مجدداً بعد غياب أخاله طويلاً، وهي البطولات التي كانت إحدى أهم مصادر دعم الأندية ومن ثم المنتخبات، على خلاف الوضع الحالي الذي أصبح فيه النادي هو الداعم للمنتخبات المدرسية أو الجامعية. مشكلة المدارس الحكومية وكذلك أغلب نظيراتها الأهلية افتقادها لأبسط إمكانات ممارسة الرياضة وتحديداً كرة القدم، وعلى مدى أربعة عقود مضت استمرت أغلب المدارس الحكومية بملاعبها الإسمنتية أو الترابية التي لا تنفع لممارسة الرياضة، ويُخشى على ممارسيها من الإصابات الخطرة حتى عزف الكثير من الطلاب عن كرة القدم، وفضلوا ممارستها في الاستراحات الخاصة أو الملاعب المستأجرة بحثاً عن أماكن صالحة للعب كرة القدم بعيداً عن المدارس التي أصبحت تنفر طلابها من الرياضة. أتمنى جاداً أن تكون هناك رؤية مشتركة من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارتيّ التربية والتعليم والتعليم العالي نحو تخطيط استراتيجي لإيجاد مدارس وجامعات تتمتع بمرافق رياضية على طراز رفيع تسهم في تسهيل ممارسة الرياضة بكافة أنواعها وتحديداً ذات الإقبال المكثف سواء للطلاب أو أهالي أحياء تلك المدارس التي تصل بإمكاناتها لاستضافة منتخبات كبرى، وفرق شهيرة أثناء إعدادها لمواجهة المنتخبات والفرق السعودية، كما أنها ستسهم في إيصال صورة جيدة عن مستواها وتعليمها، وعن نوعية طلابها ومدرسيها إذا تمت الاستفادة المثلى من هذه الاستضافة، والإعداد لها بشكل مختلف يسمح بتعرف الضيوف على الكثير من العادات المحلية، وقيم مجتمعنا التي بالإمكان إيصالها بطرق مختلفة ومؤثرة، المهم أن يكون لدينا إرادة مقرونة بإدارة فقط.