كرة القدم لــ(الدشير) فقط
قبل عدة سنوات لم يكن مقبولاً اجتماعياً أن يذهب الوالد بأولاده إلى الأندية الرياضية للعب كرة القدم، خصوصاً بعد تصوير بيئة الأندية على أنها بؤر فساد للنشء، ولا يتواجد فيها سوى “الدشير” ـ وهو وصف محلي سيئ يخص الشباب المنحرفين سلوكياً ـ، لذا كانوا يرون أنه من الجيد الابتعاد عن الأندية 100 متر مثل شاحنة مليئة بالوقود قابلة للانفجار بأي وقت. هذا السلوك تغير إجبارياً خلال السنوات الأخيرة في ظل ارتفاع عقود اللاعبين المحليين، ووصول العروض المغرية إلى أرقام فلكية، وهو ما دفع الكثير من الآباء الآن إلى إيصال أبنائهم إلى الأندية، ومتابعتهم إلى درجة تفوق متابعتهم لأدائهم الدراسي طمعاً في حصولهم على عروض مالية مجزية، الجيد أن اقترابهم أكثر من الأندية كشف لهم واقعها الفعلي الذي لا يخلو من حزم وتربية وضبط، وتعزيز لسلوكيات إيجابية مختلفة، وأن من يشرف عليهم أغلبهم من التربويين، والأسماء المعروفة التي يهمها نجاحها ونجاح عملها. الغريب أن بعض الآباء لم يسهم بشكل أو بآخر في تنمية مهارات ابنه الكروية، وربما أنها اكتشف مصادفة أن في بيته لاعب صغير وموهوب، وبات هدفاً للأندية الكبيرة قبل الصغيرة، والشواهد المحلية كثيرة، وهذه الإشكالية تكشف أن الكثير من الآباء يعمد إلى ترك أبنائه للشارع لكي يكون شريكاً في تربيتهم، ويكون مسرحاً لإمدادهم بالمهارات التي يحتاجونها، والهوايات التي يقضون فيها أوقات فراغهم. هذه الحالة باتت تسهم في تحويل أولياء الأمور إلى “وكلاء أعمال لاعبين” غير رسميين، وظيفتهم التفاوض عما سيتقاضاه موكله الافتراضي، مما يفوّت الفرصة عليهم في ضمان مستقبل كروي أفضل له، والشواهد كثيرة للأسف. البارحة كانت المشاركة الأولى للاعب البلجيكي مروان فيلايني مع فريق مانشستر يونايتد بعد إتمام انتقاله بمبلغ وصل إلى 27 مليون جنيه إسترليني قرابة 150 مليون ريال، هذا اللاعب كان والده المغربي الأصل عبداللطيف شريكاً في تنمية مهاراته، وحريصاً على رؤيته مستقبلاً لاعباً كبيراً وهو ما تحقق خلال فترة بسيطة. الموسم الماضي كان لاعب برشلونة الدولي جوردي ألبا يصل إلى مقر التدريبات يومياً مع والده الذي يقوم بإيصاله بسيارته لأن اللاعب لم يصل عمره إلى الــ19 عاماً، والذي يسمح له بالحصول على رخصة قيادة، وأما لدينا فالواقع مختلف تماماً. أوروبا تحولت مسرحاً حالياً للكثير من العائلات التي تتفرغ لتنمية مهارات أبنائها الكروية، والحرص عليهم، وتفريغهم لتعلم كرة القدم، وهو ما انعكس إيجاباً عليهم، وعلى مستقبلهم، ولن يكون فيلايني سوى عينة فقط لقائمة طويلة من العائلات التي باتت تنظر لكرة القدم على أنها مستقبل وظيفي ممتاز، ولذا يبدأ الطفل لديهم لاعب كرة قدم منذ السنوات الأولى. إجمالاً يستطيع اللاعب أن يكون مميزاً علماً وعملاً، والتميز في كرة القدم لن يكون على حساب المستقبل الدراسي، المهم حسن التخطيط، وتوزيع الوقت، وتحديد الأولويات فقط، ولن أوغل في ذكر الشواهد لأنهم كُثُر، ولا أريد تجاهل تجارب ناجحة مختلفة.