نواف..الإعلام والبيانات العربية
كنت قد انتهيت من كتابة مقالي استعدادا للدفع به إلى الجريدة، وقبل أن أقوم بذلك اطلعت على الصحف، حيث لفت نظري فيها المحاضرة التي ألقاها الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اتحاد كرة القدم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن الشباب وهمومه وتطلعاته، وهي خطوة تحسب للجامعة، تمنيت لو كنت حاضرا للوقوف عن كثب على ما لم ينقله الإعلام لأهميتها لولا أني علمت بها وعبر الصحف أيضا في (الوقت بدل الضائع) كما يقولون، ولعل أبرز ما في محاضرته حديثه عن الإعلام.
المهم..
إنني أعرف الأمير نواف وأعرف أو تعرفت فيه على خصلتين:
ــ الأولى..
الهدوء وسعة البال
والحلم والأناة
الثانية..
قربه من الإعلاميين وعلاقته بهم التي ارتقت لمستوى الصداقة.
هاتان الصفتان..
وحديثه عن الإعلام..
وماجاء في المحاضرة جعلني أتذبذب بين حالين..
ــ حائر..
ــ وعاذر..
حائر..
في أن الإعلام لم يسطع أن يرتقي بنفسه إلى مستوى الصداقة التي أرادها (نواف)
ولا أن يمد يده إلى يده وهو يطلب ودهم وودعمهم وتعاونهم.. ولا أقول ولاءهم.
وعاذر..
لأن لـ (الصبرحدود)
وللحلم ساعات..
ولأني أعرف أيضا في (نواف) صراحته ووضوحه وصدقه مع الآخر..
وهي صفات كنت أراها في والده (فيصل) يرحمه الله.. ولذا لغرابة أن يكون نواف كذلك.. فالابن سر أبيه.
ومن هنا أتساءل..
لما لم يستطع هذا الإعلام وفي هذه المرحلة بالذات وهي مرحلة التصحيح أن يقدم مايححقق طموحات المسؤول ويتفق مع تطلعاته؟
ولا أقول..
مايرضي المسؤول ويتوافق مع رغباته.
الأمير نواف..
صرح في أكثر من مناسبة رغبته وتقبله للنقد.
وطالب بنقد العمل والأداء.. بعيدا عن الأشخاص وذواتهم.
وعندما تكتشف اتفاق وجهة نظر المسؤول مع المتلقي الواعي في أن مايطرح ويتم تداوله لايخدم المصلحة العامة أو على الأقل لايستفاد منه، هنا تشعر بأن خيطا رفيعا من الثقة أصبح يربط بين الطرفين
وأن شعرة معاوية بدأت تتحرك بينهما.
وإذا انقطعت هذه الشعرة سار كل منهما في طريق.
ولم تعد هناك محطات يلتقون فيها..
كالسائرين في خطوط مستقيمة عبر الفراغ كل في اتجاه دون أن يلتقون في نقطة واحدة.
ما يبحث عنه الأمير نواف وينشده وننشده جميعا هو أن يسير الجميع عبر خطوط مستقيمة مختلفة الاتجاهات في مستوى واحد، حيث تكثر نقاط التقاطع بينهم تمهيدا للسير عبر اتجاه محدد أو على خط واحد للوصول إلى الهدف.
قضايانا..
والبيانات العربية
كشفت قضية لاعب الهلال الأجنبي (إيمانا) أننا لازلنا كمجتمع رياضي بصورة عامة غيرقادرين على أن نرتقي بمستوى فكرنا وثقافتنا إلى المرحلة التي نعيشها كرويا أونعايشهاعلى المستوى القاري والعالمي. بل وعلى مستوى الدولة في كثير من التوجهات التي تحاكي العصر وتجاري الزمن.
لا أعني هنا القضية في ذاتها ولافي تناولها كحدث بقدرما أعني موقف الطرف المتضرر ويمثله هنا الهلال وصمته رغم قناعته (حسب وجهة نظره) بأنه صاحب حق وأنه ضحية.. إلخ.
كما أنني لست في مجال تبني وجهة نظر رأي معين أو طرف محدد، ولا أطرح رأيي الخاص في الموضوع بغض النظرعن إيماني وقناعتي بمقوماته بحثا عن حقيقة يدركها الطرفان الرئيسان في الموضوع ويعرفانها، ويحاول كل طرف من جانبه تشكيل رأي عام يخدم توجهاته، هو في مجمله (أقصد هذا الرأي العام) مغلوب على أمره حيران في الأرض كل يدعوه إلى هداه.
لست كذلك..
لكنني أتساءل..
هل من حق الهلال (أوغيره في قضايا مشابهة) أن يتنازل عن حقه أو أن يصمت أمام الحدث؟
قد يقول البعض: نعم.. إن هذا من حقه (حق خاص) وهو صاحب الشأن ومن حقه أن يتنازل أو لايهتم بالموضوع.
وهذا صحيح..
ولكن..
أين حق المجتمع الرياضي (الحق العام)؟
لنترك الهلال جانبا وننتقل بالحدث من قضية خاصة إلى قضية عامة..
أعني..
كل من يتضرر من تهمة أو يقع ضحية آراء من هنا أو هناك.. سواء كان فردا أو كيانا قائما بذاته..
وسواء كان هذا الكيان أهليا أو كيانا رسميا..
هل من حق هذا الطرف أن يترك التهم تطاله يمنة ويسرى دون أن يكترث لذلك؟
وحتى إذا ما فكر ذات يوم أن يدافع عن حقه أو يرفع قضية تجاه الطرف الآخر نجده يتنازل عنها في اليوم التالي.
إذا كان هذا من حقه ــ كما يرى البعض ــ ويمس شخصه وذاته وهو حر فيه.
إذاً..
دعونا نطرح التساؤل بصيغة أخرى..
لماذا يتنازل عن هذا الحق؟
وإذا كان من حق الأفراد أن يتنازلوا عن حقوقهم.. فهل من حقهم أن يتنازلوا عن حقوق الكيانات؟
أو أن يقنعوا الآخرين بالتنازل عن حقوقهم أو يسعون لإقناعهم وربما مارسوا عليهم بعض الضغوط ؟
ثم..
إلى متى تظل العلاقات الشخصية و(حب الخشوم) هي المسيطرة والمتحكمة في كثير من قضايانا الرياضية بغض النظر عن الحقوق المادية والمعنوية والمشاعر الإنسانية؟
أدرك..
أن هناك قضايا يكفي فيها التسامح والاعتذارأو حتى مجرد الاعتراف بالخطأ وهي قضايا ثنائية.. أعني بين أفراد.. وهذه جزء من تركيبتنا الاجتماعية ووصايا ديننا الحنيف (فمن عفى وأصلح فأجره على الله)..
لكن هناك قضايا جوهرية تمس ماهو أكبر وتؤثرعلى توجه المجتمع وثقافته، وهذه يفترض أن لانتعامل معها من هذا المنظور.. وذلك من أجل مصلحة المجتمع وحفاظا على كيانه وتماسكه.
اتهامات متبادلة (وتلاسن أحيانا) على الهواء مباشرة وأمام (الله وخلقه).. كما يقولون.
واتهامات لأطراف غير حاضرة دون أن تعطى الحق في الدفاع عن نفسها..
وقذف..
وطعون في الذمم..
وتزوير.. أو اتهام بالتزوير..
على مستوى الحكام.. اللاعبين.. الإداريين.. وغيرهم..
ويدخل بعض الإعلاميين كأطراف مباشرة في هذه القضايا، ويتخلون عن مهنتهم الأساسية وأبسط مبادئها وأسسها إلى تبني هذه القضايا وكأنهم أصحاب الشأن والمتضررين منها.
صاحب الشأن..
(يزبد ويرعد).. و(يهدد ويتوعد).. ويصدر البيانات ويؤكد على توكيل أحد المحامين بمتابعة قضيته ورفعها للجهات المختصة، وأنه لن يتنازل عن حقوقه.. ثم مايلبث هذا كله أن يصبح زبدا (فيذهب جفاء)..أو مايشبه بيانات القمم العربية.
أجزم تماما..
والكل يدرك ذلك..
لو أن هذا يحدث في دول أخرى وهيئات عالمية وغيرها.. لتجاوزت أرقام التعويضات الملايين.
وحفظ الحقوق إلى إيقاف هؤلاء بل ربما مغادرتهم المشهد الرياضي نهائيا.
أو استقاموا وغيرهم على الطريقة المثلى..
(دمدمة) القضايا و(لملمتها)..
والصمت أمام ما يجري..
والمجاملة والعلاقات الشخصية..
وعدم التفريق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة..
وغير ذلك..
هو ما أوصلنا لهذا الوضع..
وهي أموز لم تعد تجدي نفعا في عصر العولمة والانفتاح الإعلامي.. والملكية الفكرية وحقوق الإنسان.. إلخ..
والمتلقي انقسم إلى فئتين..
ــ فئة..
نأت بنفسها عن الوضع احتراما لذاتها وتحولت لمتابعة قنوات أخرى والبحث عن المعرفة عبر مصادر أكثر مصداقية بعد أن فقدت الثقة في الساحة المحلية.
ــ وأخرى..
وهي الغالبية ــ وللأسف ــ أصبحت ووفقا لتركيبتها الفسيولوجية والعمرية وعاء يتلقى كل مايطرح وتشكل رأيا وتتبناه يؤثر سلبا على مسيرتنا الرياضية ووضعنا الرياضي بصورة عامة.
على مدى أكثر من ثلاثين عاما عاصرت فيها الكرة السعودية إعلاميا بنجاحاتها وإخفاقاتها..
وبتجاربها العديدة.. حلوها ومرها..
لم يصل الطرح الإعلامي سواء من قبل إعلاميين أو منتمين للأندية إلى مثل هذه المرحلة من السلبية والذاتية.
كنا نسمع عن أمنيات البعض بخسارة ناد ما في مشاركة خارجية لكنها كانت محدودة وعلى استحياء.
الآن..
تجاوز الأمر إلى تمني هزيمة المنتخب.. وبصورة علنية..
قبل أيام طرح أحدهم سؤالا في (الفيس بوك) عن توقعات الآخرين لمباراتنا مع أستراليا، وكانت كثير من الردود لاتتوقع بل تتمنى هزيمة المنتخب بالثلاثة والأربعة، والسبب كما قال هؤلاء عدم تواجد اللاعب الفلاني في صفوفه.. أو تواجد آخرين في صفوف المنتخب.
شارة القيادة..
أصبحت قضية وهما يتداوله هؤلاء مع كل تشكيلة للمنتخب بل وحتى مع كل مباراة.. وكأنها تشكل معضلة في تأهل المنتخب ونجاحه.
هذه الأمور..
لم تكن تطرح ذات يوم لافي السر ولافي العلن..
لماذا أصبحت اليوم أكثر القضايا مناقشة وتأثيرا على مسيرتنا الكروية؟
والإجابة على هذا التساؤل تأخذنا إلى أبعاد أخرى.
لكنني أعود إلى صلب الموضوع معيدا طرح التساؤل:
لماذا لايطالب المتهم بحقه سواء كان هذا الحق معنويا أو ماديا؟
وسواء كان هذا المتهم فردا.. أو كيانا؟
وسواء كان منتميا لجهة رسمية أو غير رسمية؟
وسواء كان الكيان (أهليا) أو (رسميا)؟
إن اتباع نهج كهذا هو الخطوة الأولى نحو تصحيح المسار وتنقية الأجواء.
وهو حق كفله له النظام.
وأقرته اللوائح والقوانين.
وقبل هذا..
الشريعة السمحة ودستورها الخالد.
مؤكدا في الوقت نفسه..
إيماني بالتسامح بين الأفراد دون أن يؤثر ذلك على حقوق الكيانات ومصلحة الجميع.. والله من وراء القصد.
الإعلام والمنتخب
ونحن نتحدث عن الإعلام الرياضي، فقد كشفت مباراة تايلاند مع منتخبنا ضمن تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم جزءا من هذه الإشكالية.
والمعروف..
أن المنتخب السعودي اتخذ قرارا بوصوله إلى العاصمة التايلاندية بانكوك قبل المباراة بثلاث ساعات وعلى طائرة خاصة.. لأسباب يدركها كثيرون أو أدركوها فيما بعد هي أكبر من اتحاد القدم، ومن لم يدركها فهو أيضا لابد أن يشعر بأن هناك أسبابا تفرض ذلك.
الإعلام..
أو معظم الإعلاميين ومن اتبعهم من المحللين والمنظرين، ظل يعزف على هذه النقطة وخطأ الاتحاد السعودي لكرة القدم، محملا إياه المسؤولية وكأنه يمهد لما سيقوله بعد المباراة حسب نتيجتها، رغم إدراكهم الأسباب التي أدت إلى ذلك، دون أن يتطرق هؤلاء إلى أنظمة الاتحاد الدولي لكرة القدم ولوائحه في هذا الخصوص، التي تفرض وصول المنتخب قبل ذلك الموعد بوقت كاف مما يؤكد قصور النظر لدى البعض منهم.
خاصة أن هناك سابقة قبل بضع سنوات، عندما لم يتم السماح لفريق النادي الأهلي بالسفر نهائيا إلى هناك لمقابلة فريق تايلاندي ضمن بطولة الأندية الآسيوية للسبب ذاته.
والذي لايعرفه هؤلاء..
ويعرفه بعضهم أن اتحاد القدم والأميرنواف شخصيا ظل طوال الفترة الماضية يعمل على أكثر من جبهة محلية وخارجية ووفق أكثر من اتجاه لوجود حل لهذه الإشكالية، وأن مكاتبات واتصالات شخصية ــ وهذا ما عرفته ــ تمت بينهم وبين فيفا وبلاتر شخصيا، أكدوا من خلاله أن المؤتمر الصحفي الذي يسبق المباراة بيوم والترتيبات الأخرى وماتتطلبه من حضور بعض المسؤولين ستتم وفق ماهو مرسوم لها ومجدول ووفق المواعيد المحددة، وأن الإشكالية تتعلق فقط بوصول الفريق.
هذه الطروحات لم تكن لتخدم القضية لأنها بين فيفا والاتحاد السعودي، وبالتالي فإن حلها ومناقشتها بين هذين الطرفين، وما يطرح كان نوعا من إثارة الرأي العام وهي إثارة تنعكس سلبيا على موقفه من منتخب بلاده ومن مسؤولي الاتحاد.
وأخشى..
أن يأتي من يقول إن طروحاته وآراءه هي التي أدت إلى حل هذه الأزمة ــ إن جاز تسميتها كذلك ــ وساهمت في إيجاد الحل ووصول المنتخب إلى تايلاند قبل الموعد ووفقا لأنظمة فيفا.
ولعلي هنا..
لاأخفي سرا وليسمح لي الأمير نواف إن قلت:
إن الأيام الماضية شهدت تحركا واسعا من اتحاد القدم على مختلف الجبهات ــ كما أشرت ــ وشهدت جهودا خاصة بذلها الأمير نواف، وتحركات فردية أثمرت عن الخروج من هذه القضية بما يرضي جميع الأطراف وكما هو مأمول.
لست ضد نقد اتحاد القدم.. وأرجو أن لايفهم البعض موقفي كذلك. والوصول قبيل المباراة لانختلف على أنه خطأ ومخاطرة، لكن ما أتمناه أن يكون النقاش موضوعيا ويحفظ لاتحاد القدم حقه.
كما أن هذا ليس دفاعا عن الاتحاد فهو ليس بحاجة لذلك..
ولا الأمير نواف أيضا.
لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها، أن هناك جهودا تبذل في الخفاء ليس شرطا أن تصل إلى الإعلام.
وأن هذه الجهود يجب أن تكون محل التقدير.. ليس بالإشادة والحديث عنها ولكن على الأقل بعدم (تجاهلها) وتهميشها وتوعية الرأي العام بدلا من إثارته وبما يخدم المصلحة العامة.. والله من وراء القصد.