إنه التاريخ.. لا تهدموه
أكثر ما يميز المدن الغربية عن شقيقاتها في الدول العربية ودول العالم الثالث، هو الاحتفاظ الدائم بعبق التاريخ.. الغريب أن الغرب يحتفظ بماضيه على الأرض، بينما نكتفي نحن بالكلام عن الماضي بالشعر والأدب والوقوف على الأطلال..
كثير من المدن العربية ضاربة في أعماق الزمن، لكن وجهها التاريخي يبدو مشوهاً ومغيباً ولا أثر له.. حينما تزور مدينة أوروبية فستجد فندقاً قديماً وعتيقاً وأسعاره غالية، والسبب يعود إلى أن هذا المبنى تم تشييده قبل أكثر من مئة عام مثلاً.. إننا بارعون في الهدم، ولا يمثل لنا التواصل مع التاريخ بشكله الحضاري نقطة جوهرية.. إننا نهدم البيوت التاريخية لنشيد فوق أنقاضها مباني جديدة.. هكذا بكل بساطة دون أي مراعاة لجيل جديد سيأتي حتماً ويتأمل ماضي آبائه وأجداده.. وهكذا هي الحياة دورة لا تتوقف.. الأسبوع الماضي شهد حلقة جديدة من هذا المسلسل الجارح.. القاهرة العاصمة العربية الكبيرة واللذيذة التي توصف بأن أجفانها لا تغفو، ستشهد عملية هدم جديدة بإزالة سينما فاتن حمامة، وهي أول دار سينمائية في عالمنا العربي، تحمل اسم ممثلة شهيرة ووجهًا فنيًّا معروفًا، وبالطبع سيقام مكانها برج سكني ومحلات تجارية تدر على أصحابها ذهباً ومالاً ورطباً جنياً.. ويتحجج أصحاب البناية بأن العمارة ملكية خاصة ولم يتجاوز عمرها الأربعة والثلاثين ربيعاً، وليست تاريخية أو أثرية حتى يتم الاحتفاظ بها أو الإبقاء عليها، لتكون شاهدة على فترة ذهبية من عمر السينما المصرية.. ربما يكون في كلامهم جزء من الواقعية، لكن على كل حال فإن مصر بإزالة تلك الدار فقدت طرفًا صغيرًا من تراثها وإرثها الفني الكبير.. كان اسم فاتن حمامة على تلك الدار التي بدت أشبه بالبيوت المهجورة في أعوامها الأخيرة، كذكرى لا تنفك عن ارتباط المصريين وتهافتهم على صالات السينما قبل خمسة وثلاثين عاماً، فلم تكن السينما مجرد أمكنة للتسلية وقضاء الوقت، وإنما واحة رحبة لحياة الناس وتفاعلهم الصادق مع الفن الذي تمثل السينما وجهته الأولى والأخيرة.. لا تهدموا التاريخ واتركوه يكبر ويشيخ، ولا تغنوا على طريقة ليلى مراد: "الماضي ما لنا وما له خلونا في الحاضر وجماله".. وما أجمل الماضي الذي لا يعود.