الشعر أسهل مما تتصور
بين الشعر والكتابة علاقة متينة وروابط عائلية ونسب ومصاهرة وحب من طرف واحد.. يبيتان تحت مظلة مشتركة تندرج وراء عنوان الأدب، والناس تتعامل معهما كونهما ابني عمومة يختلفان فقط في الطبائع والسجايا والهوايات التي عادة ما تجمع وتفرق بين البشر.. يصبح الشاعر كاتباً ويعرض الكاتب نفسه شاعراً في لقاء ضرائر داخل بيت زوج كريم الخصال...
لكن الأكيد على الأقل بالنسبة لي أن أكثر ما يمكن الحديث عنه وتناوله والإبحار فوق أمواجه المتلاطمة، القول بأن الشعر سهل وبسيط والإبداع فيه صعب ومعقد بعكس الكتابة تماماً، التي تبدو شاقة ومرهقة وعصية وعصيبة، ثم يأتي الإبداع والتميز فيها يسيراً هيناً منقاداً ومطواعاً..
هل المسألة تحتاج إيضاحات وشروحات مفصلة؟. أقول بأن الشعر سهل، أي أن كتابة الأشعار والقصائد ليست بتلك الوعورة وذاك التعسر الذي يظنه الكثيرون؛ لأن الشعر يعتمد أولاً وأخيراً على التراكيب الهندسية في الجملة المكتوبة؛ فلا يصبح شعراً دون وزن وقافية حتى إن كان الشعر المكتوب عمودياً أو حرًّا..
قلة قليلة لم تجرب حظها في كتابة الشعر، أما الآخرون الكثر فعندما عرفوا وأيقنوا وتبصروا أن ما تكتبه أياديهم لا يعدو كونه شعراً رديئاً تراجعوا وأخفوا وخبؤوا محاولاتهم في غياهب الزمن.. الشعر تكمن سهولة كتابته بهذا التركيب الذي يأتي كشرط أول وأساسي لاكتمال النص الشعري؛ فيمكنك صف الكلام بأي طريقة مع الأخذ في الاعتبار التعامل بحذر في عملية القافية والوزن.. الشعر سهل لكن الإبداع فيه هو الصعب الذي يشبه المعجزة والمستحيل.. في عصر المتنبي مثلاً آلاف الرجال والنساء كتبوا الشعر، لكن الناس لا تعرف ولا تردد سوى شعر "أبو الطيب".. بنفس الكلام ونفس الصيغة نأتي إلى نزار قباني؛ ففي عصره وعهده وبلاده ومحيطه ومجتمعه هناك المئات كتبوا الشعر لكن عاشوا مجهولين وماتوا نسياً منسياً.. موريتانيا مثلاً تسمى بلد المليون شاعر.. هل تعرف خمسة شعراء موريتانيين؟.. هل تعرف شاعراً موريتانياً واحدًا تجاوزت قصائده الآفاق والحدود..؟!
الكتابة على العكس تماماً.. أن تقرر أن تكون كاتباً فهذا يعني أنك تمتلك خاصية وميزة تحويل ما تريد التعبير عنه أو قوله على صيغة كلام مستساغ ومسترسل ويمكن فهمه باحترام.. هذا أمر يستعصي على الكثيرين.. أن تكون كاتباً فهذا يعني امتلاكك أدوات الكتابة الضرورية والسردية، ويتبقى فقط أمامك تجاوز حاجز الفكرة والأسلوب.. اللغة واحدة.. الذي يفشل في أن يكون كاتباً مبدعاً وملهماً يفترض أن يخرج من المشهد تماماً ويترك الساحة لأهلها وأصحابها ونجومها؛ لأنه امتلك القدرة على كتابة ما يعجز عنه الملايين ثم عجز هو نفسه أن يكون متمايزاً..
لا أعرف إن كنت نجحت في إيصال فكرتي وفلسفتي وحكايتي هذه أم أنني أغرق في تلك الأمواج المتلاطمة وأنا لم أتعلم العوم والسباحة.. لدي قناعة تامة بما أقول وبما أحكي وبما أطرح.. وليس شرطاً أن توافقني أو ترتضي ما ذهبت إليه.. إن كنت شاعراً فإنني أحاول امتداحك قدر المستطاع.. وإن كنت كاتباً فالهدف القول راجع حساباتك يا صاحبي.. فقط..!!