2018-07-31 | 01:28 مقالات

اختر المرض المفضل

مشاركة الخبر      

لا تستحقر ولا تستصغر الآلام والأوجاع والأمراض.. فالجسد واحد ورسولنا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الشهير: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

وإذا كان قوله الشريف يوصي بالتكاتف والترابط والتماسك والأخوة، فإن في وجهه الثاني يوضح كيف أن الوجع في أي عضو يصيب أجسادنا الضعيفة، ويحول حياتنا لمتاعب لا تنتهي..

والسعوديون يقولون في أحد أمثالهم المستوحاة من بيئتهم وحياتهم: "لا وجع إلا وجع الضرس.. ولا هم إلا هم العرس".. في إشارة إلى ما يعنيه أن يتألم الإنسان بسبب أضراسه.. وطبيب الأسنان ليس لديه أنصاف الحلول؛ فإذا دخلت عيادته لأول مرة، فكن على ثقة أنك ستداوم على زيارتها طوال الحياة.. إنها خير مثال لإدمان الأماكن كالمقاهي والاستراحات والحدائق والمطارات.. وفي مثل مشابه يقف على الضفة الأخرى يقولون: "لا وجع إلا وجع العين.. ولا هم إلا هم الدين".. وبالطبع آلام العيون لا تحتاج إلى تفصيل أو شهادة وإضافة، والدليل أنها ارتبطت في هذا المثل بالديون التي ترهق كاهل الإنسان بإرادته أحياناً وبحاجته أحياناً وبحماقته أحياناً ثالثة.. لكنها تصاريف الحياة وما الحياة إلا رحلة طويلة من الذكريات والمتاعب والديون.. والإنسان لديه أشياء كثيرة مفضلة؛ فهناك في علم الألوان من يفضل الأسود أو الأحمر أو الفستقي.. وفي السفر هناك وجهات مفضلة ومحببة للنفس، وكذلك في السيارات والأكلات والأغنيات والمسلسلات.. كل شيء فيه تفضيل واختلاف ذائقة، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع..

الأمراض وحدها التي لا تجد لها مفضلين وراغبين ومحبين.. فلو قالوا لك تفضل واجلس واسترخ وفكر على أقل من راحتك واختر مرضًا يقعدك يوماً واحداً فقط ويعطل حركاتك وسكناتك؛ فستأخذك الحيرة والتوهان وفقدان التركيز، ثم تفشل في الاختيار لأنك لن تختار.. وفي أحد أبياتها تقول الشاعرة نجدية: "يا ليتني خذت المرض عنك ما جاك... وتصير من بد الخلايق طبيبي".. وهذا بالطبع شعر ويحل للشعراء ما يحرم على غيرهم كما تقول العرب في مجالسها، حينما تريد إباحة الممنوع وإزالة العقبات والحواجز عن أي مضادات أرضية واجتماعية وإنسانية عن هذا الأدب المتفرد.. والكلام عن المرض يطول ويكثر ويتشعب.. ووحدهم المرضى يحاولون يأساً وعجزاً وبلا فائدة تجاهل وتناسي أمراضهم ومعاناتهم، لكن كل تلك المحاولات تذهب أدراج الرياح..

أما قيس بن الملوح فتمنى أن يتحول إلى طبيب حينما عرف بمرض العشيقة في بيته ذائع الصيت: "يقولون ليلى في العراق مريضة.. ألا ليتني كنت الطبيب المداويا"..

وهذه أمنية مشروعة؛ فكثيرون يتمنون أن يصبحوا أطباء حتى لو لم يكن في حياتهم مثل ليلى العامرية التي جننت ابن الملوح..!!