صحبة الكتب
ـ تكرر مثل هذا الكلام عليّ كثيرًا: "يا أخي.. أنا أستوعب من المشافهة والمشاهدة أكثر بكثير من القراءة". وفي كل مرّة أزيد في الحديث مع قائل بهذا الرأي، أكتشف أنه لم يقرأ في حياته، سوى كتاب، أو كتابين،.. بالكثير ثلاثة كتب!.
ـ صرت أصارح بعضهم ممّن أشعر تجاهه بـ"ميانة" تسمح، بينما أغيّر الحديث متظاهرًا بتقبّله مع بعضهم الآخر، محتفظًا برأيي: يا أخي.. شيء طبيعي وأكثر من الطبيعي، أن تشعر بهذا الشعور، أنت بالفعل تستوعب من المشافهة أكثر لأنك أساسًا لم تجرّب القراءة بعد!. أو بمعنى آخر فإنك لا تُحسن قراءة النِّسبيّة، وإلا فها أنت لم تقرأ سوى كتاب واحد، ومع ذلك تحتفظ بسطر أو سطرين، بجملة أو فقرة، تحتفظ بمعنى ما!.
ـ في الطرف الآخر تحتفظ بحكايات ومفاهيم كثيرة، لنقُل خمسين حكاية وموضوعًا، طيّب!، احسبها: أنت شاهدت واستمعت وتحادثت مع أكثر من ألف شخص على الأقل لتحتفظ بهذه الخمسين حكاية!. فهل قرأت كتبًا بهذا العدد لتختبر نفسك ولتختبر قدرة الكتب على الإثراء والمؤانسة؟!.
ـ أنْ يُقدَّم لك الكثير، الكثير، من إنسان لا تعرفه ولا يعرفك، لا تربطك به قرابة ولا صداقة، لا زمالة ولا جيرة، ثم يكون هذا العطاء وفيرًا، ممتعًا ومفيدًا، دون طلب مقابِل من أي نوع، ومن الأساس دون مضايقة، ودون اقتحام لشأنك الخاص، بل حتى دون أدنى عتب في حال لم تقبل العطاء، وأيضًا دون ندم على دعوته لك بالأخذ، مهما كان رفضك للدعوة، وامتناعك عنها، خشنًا شديد الصّلَف: هذا هو بالضبط، كرم الكتاب مع القارئ!. لذلك فإنه ما من قارئ إلا ويشعر بالامتنان وبالأمان في وجود المكتبة!.
ـ من رواية العمى لجوزيه ساراماغو: العمى هو ثروة القبيح!.