كذب الفن.. وفن الكذب!
ـ تذكرون، قبل فترة، الصحفي الذي كشف تهاون مرعب في قطاع صحّي، بطريقة بهلوانيّة: تزيّا بزيّ طبيب، ففتُحت له أبواب لم تكن مغلقة أصلًا!، لدرجة سمحَتْ له بفحص بعض المرضى، وكتابة وصفات طبيّة لهم!.
ـ أحدث الأمر ضجّة، وأثار أكثر من قضيّة، كان من ضمنّها قضيّة على الصحفي نفسه: اتُّهِم بالفطنة، بعد أنْ ضُبِطَ مُتلبِّسًا بها!.
ـ أظن أنه كان هناك خطأ ما مِن قِبَل زميلنا النشط فعلًا، لكن هذا يرجعنا لترنيمة شعر عبقرية: “ما يعجز الصواب عن كشفه، يكشفه الخطأ”!.
ـ في فن التمثيل، هناك جهة قانونيّة يلزم مخاطبتها وأخذ موافقة خَطَيَّة منها، فيما لو لزم الأمر، مثل أنْ يلعب أحدهم دور ضابط في تصوير خارجي!. لا أدري إنْ كان مثل هذا الإجراء موجودًا، ومُفعَّلًا، في وسطنا الصحفي، ذلك لأنه موجود في كثير من الدّول!. مثل هذا الإجراء، وبتفعيل لا يتصنّع مخاوف وهمية أو تأخير غير مبرر، ضرورة!.
ـ قضية أخرى يمكن إثارتها: ماذا عن الدعايات والإعلانات التلفزيونية؟!. نرى في كثير من دعايات معاجين الأسنان وكل ما يخص الرشاقة، مَن يلبسون قمصان أطباء، ويجلسون على مكاتب وهميّة، أو يمشون في ممرّات ومِن آذانِهم تتدلّى سمّاعات طبيّة، يعطون نصائح ويُقدّمون توصيات لصالح مُنتَج بعينه، يقولون إنه الأفضل والأنفع دون أنْ يكون ذلك صحيحًا بالضرورة!، ماذا عنهم؟!، ولماذا لا تتم ملاحقتهم، ومنع الدعاية بتهمة الزيف بغرض التربّح التجاري؟!.
ـ كذب الفن، غير ومناقض لفن الكذب!. الكذب الفنّي طاهر وبريء، يقول لك قبل بدء اللعب: ما تراه ليس حقيقة، هو فقط لتعميقها!. أما فنون الكذب فلا مجال لحصر دجلها ومخاتلاتها!.
ـ نختتم بنقل حرفي لما جاء في هوامش “هرالد فاينرش”، صاحب كتاب “اللغة والكذب”: يعتمد جهاز كشف الكذب على الفرضيّة “التي تبدو مبررة” أن الكذبة ترافقها دائمًا إشارات الكذب. وتلك الإشارات تدفع في الكذبة الأدبية نحو الخارج بينما تتحرك في حالة الكذبة الأخلاقية نحو الداخل في مسارات الجسم الفيزيولوجيّة!.