الانغلاق الفقهي
القبليّة، والإعلام الرياضي!
"أنت الآن تمدح أم تذم؟!"، "طيّب في النهاية أنتَ مع أم ضد؟!، مؤيِّد أم مُعارِض؟!، موافق أم مُخالِف؟!". أحيانًا، يجمعون بين رأيين لك في عملين مختلفين لشخص واحد، ويتّهمونك بالتناقض؛ فقط لأنّ خلاصة كتابتك عن العمل الأول أنه حَسَن.
بينما خلاصة كتابتك عن الثاني أنه رديء!. تكتب عن أغنيتين لنفس المطرب، أو عن عملين لنفس الروائي، أو عن مباراتين لنفس الفريق أو نفس اللاعب، فتُتّهم بالتناقض، وتُسأل بلمزٍ، يستفهم ويستبهم معًا: مع أم ضد؟!. ثم تؤمر: حدّد موقفك!.
ـ نبدأ من هذه الأخيرة، من "حدِّد موقفك": النقد يا أحبّة، الجمالي منه والفنّي والأدبي، وكذلك السياسي والاجتماعي والرياضي، ليس حُكْمًا بقدر ما هو تحريض عليه!، ومُساعدة لأنْ يكون لديك حكمك الخاص. نعم، قد يُثمر النقد حكمًا في نهاية المطاف، يعلنه صراحةً أو يوحي به، لكن علينا أنْ ننتبه: النقد الفخم يُنتج حُكْمًا خاصًّا، و"خاصًّا" هنا لا تعني "نهائيًّا"، لا تَرادُف!.
ـ ولإنتاج حُكْم نقدي "خاص"، لا بدّ من حركة وانزياح في الرؤية والمفاهيم. النقد الجيد حاله حال الفن الجيد: حركة دائمة، وتحريض عليها!. بالتالي هو مخلوق أصلًا لتمزيق لافتة "حدِّد موقفك"!، ومن يُصرّ على رفعها، يُمزِّق النقد، عن ترصّدٍ أو عن غفلة!. غالبًا، لا يَطلبُ منك "تحديد موقفك" غير ذلك الثابت المُتَسمِّر في مكانه، لا يرغب في التحرّك أولا يقدر عليه!. "حدِّد موقفك" هي ذاتها "أوقف حدودك"!، يتبنّاها هيّاب المَزْج، ومُتعَب المزاج!.
ـ أنتَ معَ أم ضد؟، وبنات عمّها: تمدح أم تذم؟، موافق أم مخالف؟، إلخ...، هي، فيما أظنّ والله أعلم، أصوات مُثلّث موسيقي، أحد أضلاعه: تراث طويل من الانغلاق الفقهي الخانق في الدين، الخانق للدين أيضًا!. الضلع الآخَر: الفهم الخاطئ، المترسّخ، للفزعة القبليّة!. الضلع الأخير: الإعلام الرياضي، الذي وبهدف التوزيع، لعب لعبته السخيفة في تأجيج مشاعر رادعة، على أُهبة التشكك والشتم طوال الوقت، مستغلًا صلابة الضلعين السابقين!.
ـ الحل في الفلسفة، في تدريسها، في حث الناس عليها، والفلسفة جلّابة روح نقديّة منفتحة، والنقد جلّاب أدب وفن، لا يقدر على جمعٍ إلا عبر طرح!، يطرح قصائد وروايات ورسمًا وسينما وأعمالاً موسيقية وغنائية ويتحرك من خلالها!.
ـ ما دام الجميع في الدنيا، فالدنيا تتسع للجميع!. المتطرِّف يصير إرهابيًّا بسرعة؛ لأنه يفهم هذه الحقيقة بسرعة!، يرفضها، يلبس حزامًا ناسفًا، ليُنهي وينتهي!. وفي كل إنسان كون بل أكوان، وعلى كل واحد منّا مراجعة أكوانه التي في داخله، ومساءلتها: كم من المرات لبِسَتْ حزامًا لنسف فكرة ما، بتهمة الحركة، "نُصرةً" لرأي تريد تصنيمه؟!.