الحواس ليست خمسة أبدًا!
ـ عند مشاهدتك منظرًا خلّابًا، لوحة آسرة، مشهدًا فاتنًا، أو سماعك موسيقى مشوّقة مشبوبة العاطفة، فإنّ أول ما تشعر به هو حاجتك لكلمات واصفة أو معبّرة!.
ـ كلمات تريدها لنفسك قبل أن تشارك بها غيرك!.
ـ وتشعر بحسرة ما، لافتقادك إلى مثل هذه الكلمات، والسؤال المهم هنا: لماذا نحتاج إلى كلمات، ولماذا نتحسر على غيابها إنْ هي غابت عنّا، ونظلّ نبحث عنها، وكأنّ المشهد لا يكتمل قبل أن نجدها؟!.
ـ لماذا، وبالرغم من وصول العمل “اللوحة أو الموسيقى” إلى أعماقنا، واستيلائه على مشاعرنا، وتغلغل نشوته فينا، إلّا أننا نظل نشعر بافتقار هذه النشوة إلى كمالٍ ما، طالما أننا لم نحصل على كلمات مُعبِّرة عن كل ذلك؟!.
ـ ثمّ، لماذا وما إن نحصل على تلك الكلمات، حتى نشعر بسعادة مُضاعَفة، بل وبحب مُضاعَف للعمل الفنّي أو المنظر الطبيعي، أو الموقف، نفسه؟!.
ـ ظنّي، أنّ في الإجابة عن مثل هذه التساؤلات، تكمن وتتكشّف أهمية اللغة. ليست أهميتها فقط بل وجمالها، وما أهو أكثر: أصلها!.
ـ ربما كانت الكتابة ابتكارًا إنسانيًّا. أراد عراقيٌّ عدّ أغنامه وحساب محاصيله وتمييزهما فاخترعها، وبذلك ابتكر أول وأهم كمبيوتر في العالم!.
ـ لكن الكتابة ليست اللغة، هي رسم لها فقط!. اللغة أقدم، وأظنها أقدم مما نظن بكثير، وأنها قديمة لدرجة أنها مخلوقة لا مصنوعة!. خلقها الله فينا، مكّنها فينا ومكّننا منها، منذ الخَلْق الأول حتى إنني أحسبها حاسّة من حواسّنا كالسمع والبصر!.
ـ لم أثق يومًا بحكاية الحواسّ الخمس، أعني عددها!. فالعقل حاسّة والضمير حاسّة، واللغة أيضًا حاسّة، وهناك المزيد!.
ـ بل إن في حاسّة اللغة، ما ليس في غيرها من الحواس، خاصّة الحواس الخمس الشهيرة؛ ذلك لأن النظر والسمع والشم واللمس والتذوّق، ليس في أي منها، ما يُبقي الشيء على حاله ويُسكنه فينا في نفس الوقت، حتى يصير جزءًا منّا ونصير جزءًا منه، كما تفعل اللغة!.
ـ يؤكد العلماء حقيقةً لا تحتاج إلى تأكيد، ويمكن لأي منّا اختبارها في أي لحظة، وهي أنّه لا يمكن لأحد أن يُفكّر بشيء دون لغة!. وبما أنّ الأمر كذلك، نظلّ عاجزين عن استيعاب حتى حقيقة مشاعرنا في غياب اللغة، وفي هذا يكمن الجواب!.