سامحني يا ولدي!
ـ أمس كانت المقالة بعنوان: “رسالة إلى كاتب مبتدئ”. اليوم أعترف لكم بأمر، يفسّر اهتمامي بالموضوع. لحظة!، هل قلت هذا من قبل؟! لا أدري، لكن وفيما لو كنت فعلت، فأنا بحاجة لترديده اليوم، ربّما لم يقرأه من يهمّه الأمر!.
ـ لديّ حلم، رغبة كانت دفينة ثم تكشّفت، أو كشفت عن نفسها، بعد أول أسبوع من وجودي في هذه الـ”بلكونة” في أكتوبر من عام 2016:
ـ لقد تذكّرت فرحة الكاتب الكبير “نبيه البرجي” بي، حين التقيته للمرة الأولى في بيروت قبل سنوات طويلة. وما أن كتبت هنا، حتى اكتشفت أنني أُخبّئ حلمًا، وأنّ لدي رغبة عارمة في أن يستقبلني أحد ما، بعد سنوات، فترتعش عيوني بالبريق ذاته الذي ارتعشت به عيون أستاذي!.
ـ قد يحمل هذا الحلم غرورًا “أعترف أنه يحمل، نعم”، لكنه حلم جميل، أخّاذ: مع أول رشفة شاي في بيت الكاتب اللبناني الكبير في بيروت، رحت أحدّثه عنه من خلالي كقارئ، وكيف كنت شغوفًا بمتابعة مقالاته في صحيفة القبس الكويتيّة. في أول دقيقة أو دقيقتين، استقبل إعجابي بشكل طبيعي، لكني استرسلت.
ـ رحت أحكي له، كيف كنت وأنا في المرحلة الثانوية من الدراسة، أستريح بمقالاته بين مذاكرة الفيزياء والكيمياء!. حكيت له عن مقالات عديدة بعناوينها، بحفظي لمقاطع منها!. وكيف أنني نعم كنت أحب الكتابة، لكنني لم أفكر بالكتابة الصحفية قبل أن أظفر بنموذجه!.
ـ كنت أحكي بدقّة، فوجئت بها أكثر مما فوجئ هو بها، عن تأثير كتاباته عليّ في حياتي الخاصة، في لعبي لكرة القدم، في متابعتي لأفلام السينما، وفي كتابتي للرسائل الغرامية!. تحدثت وكأنني أحكي لنفسي، نسيت الوجود انتشاءً، وفجأة انتبهت،.. كانت عيون أستاذي نبيه البرجي ترقرق بفرح طفولي وحنين دافئ!.
ـ قلت له أخيرًا إنني اليوم كاتب معروف، وأنني ما كنت سأكون كذلك أبدًا لولا أنني كنت أحشر مقالاته مع دروس الفصول!. ردّه المتحشرج حياءً وسعادةً وأدبًا، يسكنني إلى اليوم: لو كنت أعرف أن هناك ولدًا يقرأ لي بهذه الطريقة لحرصت على أن أكتب أفضل!.
ـ وطلب مني مسامحته على التقصير!. قبّلت ما بين عينيه، وأخذني بالأحضان وقتًا، أظنه كان الوقت الكافي لينجح كل من الأستاذ والتلميذ بإخفاء ما ترقرق في العيون من دمع محبة وسعادة!.
ـ نعم، أريد وأحلم بتكرار هذا المشهد، على أن أكون الوجه الآخر للعملة!. لا أتحدث عن سنة أو سنتين، أحلم فيما لو توقفت اليوم عن الكتابة، بملاقاة كاتب موهوب، بعد عشر سنوات أو أكثر، يحكي لي أنه وفي المرحلة المتوسطة أو الثانوية كان يقرأ لي، وكانت كتاباتي تؤثر فيه، تمتعه وتحفّزه، تسعده وتساعده!.
ـ أتعب على كتابتي ولا أتعب منها، والسبب: هذا الوجه الذي أرسمه في خيالي، وأحلم بلقياه، وأهيّئ المشهد المنتظر على هواي!. أتخيّل كلماته، عبقها ودفقها وصدقها وحيويتها، التي تقودني إلى أن يكون ردّي صادقًا، وكأنني لم أسمعه من قبل: لو كنت أدري لاجتهدتُ أكثر، ولحسّنتُ من أسلوبي ومن لغتي أكثر، سامحني يا ولدي!.