زميل صحفي!
- على أيّامنا، كانت الصحافة غير!. وكانت مهنة صحفي تعني شيئًا آخر تمامًا!. وبالتأكيد شبه المطلق كان لكلمة “زميل” معنى مختلف، وطعم يصعب تكراره!.
- لا أقصد أننا كنّا أطيب وأنقى من جيل اليوم، بل لا أعترف بمثل هذا التصنيف الذي يبدو من الخارج أنه تمييز أخلاقي، بينما هو في حقيقته ليس أكثر من سيل حسرات مخادعة، يرددها من يكذب على نفسه ومن يريد أن يكذب على الآخرين!. من الخارج سيئ ومن الداخل أسوأ!.
- الخير والشر في كل زمن، أصحاب!، ولو غاب أحدهما لما عاد للثاني معنى ولا حتى قيمة!.
- هناك أشياء هي بحاجة لحياة أخرى غير هذه الحياة، لعالم غير عالمنا، وزمن غير زمننا، لتتمكّن من الانفراد بمعناها في معزل عن النقيض!. أما في دنيانا هذه، فلا سبيل لتعريف التناغم في غياب النشاز، ولا الخير في غياب الشر، مثلما أنه لا معنى للحياة في غياب الموت!.
- نعم، كانت هناك مشاحنات، وربما أقوى وأشدّ حِدّة ممّا تظنون يا أبنائي. ولم تكن كلمة “زميل” حامية أو رادعة بالضرورة!. لكنها، على أي حال، كانت أقرب إلى معناها اللغوي من زمنكم هذا بكثير!. وأطيب مذاقًا!.
- كانت كلمة “زميل” تعني معرفة حقيقية به، شرب قهوة معه، استعارة قلم منه، تحمّل عمل ما عنه، أو طلب تغطية منه علينا حين نقرر الخروج دون إذن!. وكانت تعني أشياء أخرى كثيرة: قفشات ضاحكة، ومعرفة نوع العطر، وسببه!. محاشاة المصافحة الحارة في حالة الأنفلونزا!، وسلفة إلى آخر الشهر!، وتوصيلة إلى البيت في حال تعطّل السيارة أو عدم وجودها!، ومضايقات أيضًا، لكنها مضايقات حيّة، صغيرة وعابرة ووقتية، لكنها حيّة وحقيقية!.
- هي أشياء صغيرة، لكنها تتراكم مع الأيام، تخلق عِشْرَة، وذكريات!.
- لا أظن أن التكنولوجيا أوْدَتْ بصفة، وشتّت معانيها، مثلما فعلت مع الصحافة ومع صفة “الزميل” الصحفي!.
- يمكن للمرء الآن أن يعمل في مطبوعة، طويلة عريضة، وأن يستمر في ذلك سنين، دون أن يعرف مكان وموقع هذه المطبوعة!. دون أن يعرف زملاءه فيها، اللهم إلا عبر الصّور ومن خلال أسمائهم!. بالكاد تربطه مكالمات هاتفية أو رسائل جوّال، مع عدد قليل جدًّا منهم، ممّن تُوكل لهم مهمّة تسلّم مواضيعه!.
- مسألة المكان هذه مرعبة!. كنّا في الصحف نلتقي ليس بزملائنا فقط، بل بأساتذتنا الكبار من الكُتّاب، سواءً من يكتبون في نفس مطبوعتنا، أو من كتّاب مطبوعات أُخرى، فالكتّاب الكبار يتزاورون، ويشربون الشاي في مكاتب بعضهم بعضًا، وكنّا نستغل ذلك بألف طريقة وطريقة فنتعلّم!.