اجتماع
للتقبيل
صالة فخمة تتشرب اللونين الأخضر الداكن وفي بعض زواياه مموّج باللون التفاحي والأبيض الناصع على جدران صمت، تكاد تثور.
عشرات الحضور من علية القوم بين سادة واتباع يتبادلون التحايا الباردة والابتسامات المصطنعة وأيدي السلام ترتجف وتكاد تسقط الصواني المليئة بأقداح القهوة المرة والشاهي وما لذ وطاب من الحلويات والفطائر الشهية، وأصوات تتناثر في المكان لا تعلم هل هي صخب سلام أو سلام صخب تتشابه مع أصوات محركات السيارات الفارهة التي تقبع خلف الأبواب الزجاجية باتجاه المواقف، وبينهما أشخاص يأخذون الرواق ذهابًا وإيابًا وكأنهم يسيرون على غير هدى كحال الاجتماع نفسه.
في هذه اللحظات دخل رجل يجمع بين مهابة المنظر وبساطته فتحركت غالبية الجموع للسلام عليه، وتقدم شاب حسن المظهر ترتسم على محياه علامات البراءة وسمات الهدوء، وقام بـ”تقبيل” رأس الرجل الأكبر سنًّا وهمس بكلمات ليست ككل الكلمات، وابتعد قليلاً بعد أن ارتسمت على سحنته علامات كآبة يحاول جاهدًا إخفاءها بابتسامة واهية، عجزت عضلات الوجه عن إبقائها لأطول فترة ممكنة،
ثم ساد القاعة هدوء نسبي ظلت فيه نظرات صاحبنا غائرة عجز فضولي عن تفسيرها، فهل هي دلالة اللامبالاة بالخسارة المتوقعة أو بأنها برود ثقة يشابه برود المكان ومشاعر كثير من قاطنيه.
تقابل الرجلان في مكانين متناقضين وبيد كل واحد منهما سلاحه الذي يستند عليه وكأنه عصا موسى، فالأول يتفاخر بالفكر والحيوية والآخر بالخبرة والمال، ولم تدخل المشاعر في الأمر فمستخدمها خاسر حتى إن ظن نفسه رابحًا، لذا ظلت على رفوف علوية ساكنة قد بنى عليها العنكبوت بيته منذ أمد بعيد.
فجأة وكأن أحد المجتمعين قد رمى حجرًا حرك بين المياه الراكدة تعالت الأصوات ووصل التلاسن مداه حتى تجاوز من بالخارج ينتظرون نتائج الاجتماع التاريخي بحثًا عن حل توافقي يرضي جميع الأطراف، وهم لا يدركون بأن الحل في الحل لأحدهما أو لكليهما، ثم أغلق الملف العلاقي الضخم وكتب عليه “اجتماع تقبيل أو اجتماع للتقبيل”.
الهاء الرابعة
أنت في معشر إذا غبت عنهم
بدّلوا كل ما يزينك شينا
وإذا ما رأوك قالوا جميعا
أنت من أكرم الرجال علينا