فن الموت!
ـ إلى أن يتقدّم العلم أكثر، مُبرهِنًا أو داحضًا، التقاطة آنشتاين العبقرية بأنّ الزمن لا يسير في اتجاه واحد فقط، وأنّه يمكن طيّه وليّه وتعريجه وتسييجه!. أقول: إلى ذلك الحين، فإنه لا سبيل للإنسان، إذا ما أراد مراوغة الزمن، سوى مراقبة شيئين وتتبّع دلالاتهما: الفن والموت!.
ـ خُلِقَ الإنسان مُتسابقًا!. رغبة الفوز بالسّباق ليست قرارًا فكريًّا حتى وإن توهّم الإنسان ذلك!. ولا هيَ حاسّة!. إنها فطرة!. وهي فيه قبل العقل، بل وحتى قبل بقيّة كل حواسّه بما في ذلك السمع والبصر!.
ـ لولا فطرة السباق التي فطرنا الله عليها، لكان مكانك الآن إنسان آخر، يقرأ لإنسان آخر ليس أنا بالتأكيد!. كل هذا الخلق أتى بفطرة السباق!. أَوَلَم نكن في ظهور آبائنا، ثم تسابقنا أيّنا يصل أولًا؟!.
ـ من علّم الحيوانات المنويّة أهميّة السباق إلى البويضة، فتراكضت؟!. من أدراها بأن الدائرة ستُغلق على أول الواصلين؟!. من ألهمها فكرة الحياة والموت غير الله سبحانه؟!.
ـ في الإنسان، في لا وعيه الذي هو وعيه العميق العميق، فهم وإدراك لأهمية الفوز بالسباق، للوصول أولًا!. لديه فطرة، أو خبرة لكنها فيه من قبل البدء، بأن في كل تأخّر، موت ما!. وفي الوصول أولًا، نجاة وحياة!.
ـ لولا الموت، ما كان هذا كله!. ولتكاسل الإنسان، وتأخّر!. ولغابت السعادة!. ولماذا يسعد؟!. لو كانت الحياة ممتدة، وأبديّة، فكل شيء مقدور عليه في لحظة ما!، وكل خطر زائل!. كلمة خطر أصلًا لا تكون موجودة!. الموت هو الذي يبقي هذه الحياة كهِبَة سخيّة، وهديّة رائعة، وكنز ثمين!. هو الذي يجعل من كل لحظة نحياها مهمّة!. لولا الموت لكنّا ميّتين!.
ـ الموت ليس خبرة، الموت فطرة!. انزع فكرة الموت من الكائن الحي، من أي كائن حي بما في ذلك الحيوان والنبات، وسترى كيف أن العالم الحيّ يختل اختلالًا، ويُجنّ جنونًا، بأشكال لا مثيل لها!. كل شيء سيفقد طعمه وبهجته ومعناه!.
ـ ولذلك، فُطْرنا على السباق. ولا أحسب السباق إلا المرادف لكلمة الحياة!. نتسابق لننتصر على الزمن في الزمن!. لا مغنم في إبطاء!.
ـ مُحِقّ أفلاطون، حين يقول إن الخطوة الأولى هي نصف الطريق!. الأهمية هنا لـ”الأُولى” لا للخطوة!. الخطوة بحد ذاتها لا قيمة لها لولا الأولويّة!. الموت هو الذي منح هذه الأولويّة قيمتها ومعناها!.
ـ يأتي بعد ذلك الفن، ليمارس لعبة الحُلُم بتجاوز الزمن. أظن أننا تحدثنا عن ذلك في واحدة من مقالات الأسبوع الماضي!. نعم، حين كان الحديث عن كلمة “المجاز” وكيف أنها تضم معنى التجاوز بين جناحيها!. والتجاوز حركة تستلزم السرعة. والوصول أولًا بصمة وسعادة. وسلامتكم!.