عتاب القمر!
- القمر. قمرنا المعلّق في السماء، سمعته قبل أيام، يحكي عنّا، يحكي لنفسه عنّا، ويقول:
إنهم لا يعرفوني جيّدًا!. وبالرغم من أنهم يسهرون أكثر من آبائهم، لكنه سهر رفاهية لا سهر عشق ولا تأمّل!.
- آباؤهم كانوا يسهرون أقل، كان يضنيهم التعب ويغلبهم النعاس سريعًا، لكنهم كانوا ينظرون إليّ فترات أطول، بحب أكبر. وآباء الآباء كانوا يفعلون ذلك بحرارة عشق وتعبّد أكثر وأكثر!.
- كنت أحبهم حقًّا، وأعرفهم واحدًا واحدًا!. أثق بهم وكانوا يثقون بي، لدرجة أنهم كانوا يفتحون عيونهم ويحلمون لأرى أحلامهم!. كان ضوئي أشفّ لأنني كنت أتنفّس هذه الأحلام!.
- ولأنهم كانوا أصدقاء حقيقيين، كانوا يقولون إنني أحفظ الأسرار. الحقيقة إنني لم أكن أفعل!. كنت أحكي لهم كثيرًا، كل شيء تقريبًا، لكن وربما لأنني لم أكن أسمّي أبطال الحكايات بأسمائهم، كانوا يعتبرون ذلك أمرًا طيبًا وينظرون إليه على أنه طريقة مُثْلى لحفظ الأسرار!. نعم كنت فقط أحتفظ بالأسماء لا أبوح بها، أمّا الحكايات فقد كنت حكّاءً عظيمًا!.
- هؤلاء الأبناء لا يهتمون بي، ولذلك أتعجّب من مديحهم لي ومن تغنّيهم بجمالي!. لا أعرفهم جيدًا، أكاد أكون لا أعرفهم بتاتًا!.
- يُخيّل لي أنهم يدّعون معرفتي وصحبتي مثلما يتكاثر الأحياء منهم على ادّعاء معرفتهم وصداقتهم بالميّت طَرِيّ الرحيل!.
- حتّى العشّاق صاروا يلتقون نهارًا، فلا أعرف عنهم الكثير!.
- صحيح أنّه حتى في زمني القديم، كان العشاق من آباء هؤلاء، وأجدادهم، ينتظرون غيابي ليقتربوا من بعضهم ويتهامسوا ويتلامسوا!، لكنهم كانوا يرقبونني محمّلين إياي نجواهم ورغباتهم!.
- ثم إنهم كانوا يدرون أنني لست بعيدًا عنهم إذ يلتقون، كان يسعدهم أن يتركوا لي فرصة سماعهم!.
- الأبناء ليسوا كذلك، وهم لا يعرفون أنني أحبهم ولا كم أحبهم!. العشاق اليوم يلتقون في النهار، وفي الليل أُحصيهم، أفعل ذلك وهم في غفلةٍ عني، وحين ينقص عددهم، أحزن، وأعلم أن مكروهًا أصاب حكاية!.
- الأنوار أخفتتني!. الأنوار التي تضيء بيوتهم وتضبط الأمن في شوارعهم. أنوار حفلاتهم، وشاشات أجهزتهم، أخفتتني، بل أضاعتني تقريبًا!. صاروا حتى حين ينتبهون لاكتمالي وطيب إنارتي، يرفعون رؤوسهم وغايتهم تصويري لا تصوّري!.