وصيّة مساعد الرشيدي
لولده فيصل!
ـ ابتسمتُ، فما قاله فيصل مساعد ربيّع الرشيدي في تلك الجلسة، لم يكن مفاجئًا بالنسبة لي، لكنه بالتأكيد أثار تعجّب بقيّة الأصحاب!. منهم من استحلفه: بالله عليك؟!، ومنهم من طلب معرفة السبب؟!.
ـ ليلتها، كنّا نحتفي بوجود فيصل مساعد الرشيدي بيننا، وبدأت الحكاية حين اعتقد أحدنا أن الشعر وراثة، أو أنّ دربه سيكون وصيّة الأب لابنه، خاصةً مع معرفة الجميع بقيمة وقامة مثل هذا الأب!. أن يكون هذا الأب هو الشاعر مساعد ربيّع الرشيدي، فهذا يعني الكثير، و”الكثير” كلمة قليلة هنا!، إنه يكاد يعني كل شيء متى ما تعلّق الأمر بالشعر!.
ـ فيصل فاجأ الصحبة الطّيّبة، بما لم يكن في حسبانهم: حذّرني أبي، ووصّاني، و”نَهاني” عن الشعر!.
ـ ورحتُ أحكي: المُبدع الحقّ، لا يشتكي نقصًا، فلا يطلب من ورثته إتمامه!. ولفرط ما عانى في فنّه، فإنه لا يتمنّى لأبنائه تجريب كل ذلك القلق وتلك المعاناة!. والأمر الثالث، أن المبدع يعرف، معرفة يقين لا ظنّ، أنّ من يمتنع عن الفن لوصيّةٍ أو أمر، فإنّه لم يُخلق لهذا الفن أصلًا!.
ـ الذين يُريدون لأبنائهم تكملة مشوارهم، هم، عادةً، الحُكّام والتّجّار، وليسوا أهل الفن والأدب!.
ـ للأدب جيناته الوراثيّة الخاصة به!، والتي قد لا يكون لها علاقة مباشرة بالبيولوجيا!.
ـ ربّما، أمكن لفنّان لم يقدر على إنجاز أعمالًا فخمة تليق بحلمه، أو تقبض على حفنة كافية من طموحه ورغباته وأمنياته، أقول: ربما، أمكن لمثل هذا الفنّان تخيّل تحقيق ما كان يصبو إليه على يد ولد أو حفيد!.
ـ أمّا المبدع الحقيقي، الذي انغمس في فنه، وأنتج أدبًا عظيمًا، فإنه يتمنّى مستقبلًا باهرًا لأبنائه، وحياةً أسعد، لكن في دروب أخرى، اللهم إلا في استثناءات نادرة جدًا لا يمكن التعويل عليها!.
ـ ولمرّاتٍ أكثر من أن تُعدّ، كان رأي مساعد الرشيدي واضحًا في هذا الأمر، سمعته منه أعزبًا، ومتزوّجًا، ومعيلًا!. يردّده بطرافة واستغراب: “يا أخي.. ما تلاحظ إن كل شاعر مبدع يتورّط بواحد من عياله يخرّب اللي بناه”؟!.
ـ كان غضب مساعد من ملاحظته، يشع في عينيه، ويتكوّر في فمه، ويُصيّر يديه أطول قليلًا ممّا هما قبل التلويح بهما في هذا الغضب الضاحك!. آهٍ، كم ليلة ضحكنا فيها للصبح!. اللهم أدم على ذلك الوجه ضحكته وبشاشته يا كريم.
ـ كان والد بيكاسّو رسّامًا، لكن ولأنه لم يكن عظيمًا في فنّه، رمى ريشته، وفرح بقدرة ابنه على تحقيق ما يفوق أحلامه!. وكذلك فعل والد بورخيس، الذي كان أديبًا لكن على “قدّه”!. كانوا آباءً أذكياء، وعلى الأبناء، ما لم يتمتّع أحدهم بموهبة حقيقية، أن يكون ذكيًّا أيضًا!.