شتاء
لعب الطقس دوراً مهماً في حياة الأوروبيين، خصوصاً في فصل الشتاء، فالشمس تغيب عند الرابعة عصراً بينما ينتهي العمل عند الخامسة مساءً، ويستمر ذلك عدة شهور.
وهكذا يكون الموظف في عمله منذ الصباح حتى المساء خمسة أيام في الأسبوع، حتى إن طرق التعارف بين الناس غالباً ما تبدأ بالتعليق على الطقس لشدة ما له من تأثير على نفسياتهم، حتى في رواياتهم وقصصهم وأشعارهم يعيش الطقس وكأنه واحد منهم، بل بطل من أبطال أعمالهم الأدبية، يقول تشارلز ديكنز: “كان صباح يوم من أيام شهر مارس، الشمس فيه مشرقة وساخنة، والهواء فيه بارداً، كان الطقس صيفاً في ضوء الشمس، وشتاءً في الظل”، في روسيا يبدو الشتاء الغربي بأمطاره ورياحه في الشهر الثاني والثالث من كل سنة وكأنه نزهة ربيعية، وتبدو الشكوى التي يقولها الألمان والإنجليز والفرنسيون عن سوء طقسهم في الشتاء وكأنها نابعة ممن يعيشون حالة من البطر لا ممن يعانون حق المعاناة من سوء شتائهم، لأن الثلوج الدائمة في الشتاء الروسي مثل المطر عند الإنجليز، حتى في الأفلام الروسية لا يخلو فيلم روسي من مشاهد الثلوج، حتى في مسرحياتهم يتواجد اللون الأبيض عادة على خشبة المسرح كإشارة لوجود الثلج، يشتكي دوستويفسكي من آثار البرد: “الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة”، أما الرومان فقد حذروا بعضهم من عدم استغلال الصيف في إنجاز أعمالهم، خصوصاً تلك المناطق الزراعية التي يستطيعون خلالها جني محاصيلهم حتى يتوفر لديهم الطعام عندما تشتد ثلوج الشتاء وتغمر الطرق وتوقف العمل: “سوف يسألك الشتاء عما فعلته في الصيف”، في اليونان أيضاً حذروا بعضهم من عدم مساعدة الذئاب في الشتاء عندما يشح الطعام في الجبال والغابات، أعتقد بأن لديهم تاريخًا حزينًا مع هذا الحيوان سيئ الطباع “غذ الذئب في الشتاء يفترسك في الربيع”، للشتاء وجه قاس لا يشعر به أصحاب البيوت الدائفة، ولا تنفع معه كل ذكريات دوستويفسكي الدافئة، هذا الوجه القاسي هو من يحيط بالفقراء، والفقراء عادة ضحايا كل المواسم، لكن مارك توين شعر بهم وهو ينظر للثلوج الأمريكية من شباك بيته الدافئ: “كل شيء جميل في الشتاء عدا ارتجاف الفقراء”.