سينما «بنت البكار» وصناعة الأفلام
“يشرفنا دعوتكم لحضور افتتاح أول فيلم سعودي في مدينة الرياض بحضور عدد من النجوم”.. لو تلقيت هذه الرسالة قبل أن يكتشف الأمريكي بريان أكتون والأوكراني جان كوم تطبيق “واتساب”، لرددتها إلى المرسل “نصية” على جزأين، طالبًا منه التوقف عن السخرية..
السينما في السعودية ازدهرت في الستينيات والسبعينيات الميلادية، فتربع عبد الحليم حافظ على عرش الصالات في الأندية الرياضية، وشكلت أفلامه دعمًا لخزانة النادي مع أعضاء الشرف، وتسمر عندها عشاق “طاقية الجنيهات”، ومن استبدلوا قلم “باركر” في الجيب الأمامي بالوردة الحمراء، بينما من نسف شماغه على طريقة “بنت البكار” فيبحث عن جيمس بوند وبروسلي في عرض نهاية الأسبوع، قبل أن تغلق الأندية والصالات غير الرسمية عروضها في مستهل الثمانينيات وضاع دمها بين خروج جهاز الفيديو والفكر الصحويّ، وأصبحت كذلك حتى عادت في عهد الحزم والعزم.. وعمومًا لم تكن صالات احترافية بالعامية “ما عليها حسوفة”.. وإلا كيف تستمتع بفيلم الدخول إلى صالته يستوجب استنشاقك أحذية اللاعبين، وقمصان التدريب فلا تفرق بين العندليب أو حسن الأسمر؟
على طريق الأمير تركي الأول بن عبد العزيز شمال مدينة الرياض، دشنت صالة سينما جديدة أطلق عليها “موفي”، مختلفة عن سابقيها كونها لم يحتضنها مول تجاري أو فندق، بل في موقع ترفيهي مفتوح، لا يحتاج إلى إعلان بل إلى شكر لمن قام عليه. هناك لبيت دعوة الصديق العزيز المنتج خالد الراجح لحضور عرض فيلم نجد وهو أول فيلم سعودي، فالمشهد العام المحيط بالفيلم وأجواؤه الخارجية تصوره عين الواقع، متخطية بجودتها تقنيات أحدث الكاميرات.. نجوم الفن والسينما والرياضة والإعلام يحتشدون لحضور العرض الأول للفيلم، بشكل احترافي يحاكي العالمية.. الفيلم السعودي كان مقنعًا وصور حقبة تاريخية مهمة..
في اعتقادي بأن تجهيزات صالات السينما في السعودية لا تقلّ عن من سبقها، فتفوقنا في الجانب الترفيهي، لكن ينقصنا الشق الصناعي، فالسينما ليست صالات فقط بل صناعة أيضًا، ندرك أن حضور الأفلام السعودية في الصالات المحلية والخارجية لم يصل إلى حد الطموحات، رغم الإمكانات المتوفرة لكن لا يزال هناك تخوف من المنتجين والممثلين، فبحثوا عن “اللقمة السهلة” والمضمونة وهي المسلسلات التلفزيونية وللأسف سجلوا في الغالبية منها تراجعًا ملحوظًا..
صنّاع السينما في السعودية عليهم أن يضخوا أفلامًا محلية تعكس ثقافتنا وتواكب التطور الذي تشهده بلادنا، ولا يكتفوا بالتنظير أو الخوف من الفشل.. فلا تتوقفوا عند مشاهدة الإنجاز بل المساهمة في صنعه لتكونوا جزءًا منه..