أيهما أهم.. العلاقات أم الإنجازات؟
جبل الإنسان على حب العلاقات التي تربطه بالآخرين منذ زمن بعيد، فعشق العلاقات تشكل على صورة إدارات في الجهات الحكومية والخاصة والخيرية، وقبل ذلك في المدارس والجامعات..
هنا لن أتطرق إلى العلاقات العاطفية أو الرسمية، ولكن سأتحدث إلى نوع آخر من العلاقات المتمثلة في المفاخرة بها ويصنفها بعضهم في خانة الإنجازات لديه، رغم أنه شخص بلا أي قيمة صنعها لنفسه، واكتفى بعلاقاته..
المفاخرون بعلاقاتهم بدلاً من إنجازاتهم نصادفهم كثيرًا في مجتمعنا وتعج بهم المجالس، وعندما يفتح باب الحوار مع أحدهم حتى يسرد قائمة علاقاته الشخصية، فيستعرض أنه يعرف فلان ابن فلان، وأن صاحب المنصب الرفيع جمعته به مناسبة يومًا ما، أو اللاعب “الفلتة” منحه قميصًا فصنفه بأنه صديقه، والمسؤول الكبير أرسل له على الـ”واتساب” فرد عليه، فبات من وجهة نظره رفيق دربه، والممثل الكوميدي التقاه في مكان عام ودار بينهما نقاش فني، فجعل رقمه في القائمة المفضلة..
وبعض هؤلاء يرفع مستوى الشفافية في حديثه معك حول علاقاته، فيمسك بهاتفه ويتصل على صاحب الشأن الرفيع في المجتمع، أو يرسل له أو يجعلك تشاهد المحادثات بينهما من باب سد مقولة “تراني ما أكذب عليك”، وعندما تطلب منه خدمة معينة يوصلها إلى ذلك الشخص المشهور يجيبك ببرود.. “تراه ما ينفع خويي وأعرفه”..
تلك الفئة من البشر كل أهدافها تتمحور في تعزيز العلاقات وتوسيع رقعتها، ولو كان التاريخ بيدهم لقالوا بأنهم يعرفون هتلر ونصحوه بألا يوقد فتيل الحرب..
في الغرب، انقرض المجاهرون بعلاقاتهم من هذا النوع، وركزوا على تطوير أنفسهم وأن يكونوا أشخاصًا ملء العين والأذن وكل الحواس بدلاً من أن يتحولوا إلى مكبرات صوت لشخصيات لا تحتاج إلى ألسنتهم ليزدادوا بريقًا..
المفاخرة بالعلاقات “المتينة” أو “الدايت” حق مشروع، ولكن السؤال: ماذا سيكتب التاريخ في خانة إنجازات هؤلاء؟ هل سيكتب أنهم أشخاص تربطهم علاقات جيدة مع آخرين سجلهم حافل بالإنجازات؟
من يفاخر بعلاقاته ويصنفها بأنها أكبر إنجازاته لديه مركب نقص عليه أن يملأه بالعلاقات الحقيقية وتكون بداياتها مع نفسه، فيجعل طموحه أن يصل يومًا إلى مكانة رفيعة في أي مجال ويعتز بما بلغ، ويفاخر الآخرون به ويكون هو النار على العلم، وليس من يوقدها..