القناة السعودية.. «غصب» تحترمها
عند بداية أول فصل دراسي جامعي، فإن النصيحة التي تتلقاها من كل شخص تواجهه حتى من عامل البوفيه في بهو الجامعة، المطالبة بالحصول على معدل عالٍ في الفصل الدراسي الأول، ليكون صامدًا أمام مغريات الحياة، والتقاعس والمزاجية التي يتعرض لها الطلبة، فيكون نزوله صعبًا، ولو كان العكس وسجل معدلاً منخفضًا في الفصل الأول، سيكون تأثير الارتفاع طفيفًا..
تلك المعادلة التراكمية الجامعية، تعكس الصورة في القناة السعودية الأولى، فمنذ بثها في منتصف السبعينيات الميلادية مع شقيقتها الصغرى الثانية، “المتخصصة في البث باللغة الإنجليزية”، التي اختفت من أجل التطوير في أمريكا ولكن لم تصل إلى الآن وتعود بالسلامة بمشيئة الله، وهي تقدم مادة إعلامية رصينة تعكس واقعنا وتاريخنا وتراثنا وطموحنا وأهدافنا.. هي من نسيج هذا المجتمع بمختلف ألوانه..
في الثمانينيات الميلادية لقبت بـ”غصب 1” كونها هي القناة الوحيدة مع “غصب 2” طبعًا، وهو مسمى يرمز إلى أنك مجبر على متابعتها، بعد أن تعدّل “الإريل” الخلفي لجهاز التلفزيون المربع قبل مجيء جهاز استقبال القنوات في بداية التسعينيات الميلادية..
المضحك أن من تهكم على القناة في ذلك الزمن وأسماها “غصب 1”، هو الآن مستمر في متابعتها من خلال قناة “ذكريات” التي تعيد تلك الحقبة..
علينا أن نكن متزنين في حكمنا على القناة السعودية والمحتوى الذي يقدمه العاملون فيها، لا نتابعها فقط بعين المجحفين بل المنصفين، الشاشة تغيرت إلى الأفضل..
الأخبار والبرامج والوثائقيات والفواصل والتغطيات والمذيعون والمراسلون والمعدون والفنيون أحدثوا نقلة مميزة في القناة، فأصبح علينا “غصب” أن نحترمها ونعتز بها كقناة تشكل هويتنا السعودية..
في تغطية الحج الاستثنائي لهذا الموسم الذي يمر بظروف مختلفة بسبب جائحة كورونا، ظهرت القناة بتغطية مميزة، فوضعت المشاهد في المشاعر المقدسة وكأنه يرتدي الإحرام، رغم أن الأعداد الإعلامية والفنية الموفدة إلى مكة المكرمة أقل بعشرات المرات عن المعتاد..
القناة الأولى السعودية تخرج منها كبار المذيعين والممثلين، فأصبحوا يشكلون تاريخنا الإعلامي، ولا نمتدحهم كونهم من زمن الجيل الجميل أو ارتباطهم بعشق الماضي والحنين إلى الذكريات، ولكن للمهنية العالية التي يمتلكونها..
من أطلق مقولات “ساخرة” على القناة في سنوات مضت، فهو يحكم على مزاجه وهواه، ورأيه لا يحترم إذا كان يريد الإنقاص من القناة التي أصبح يتابعها الآن “غصب” عليه من باب الاحترام والبحث عن المهنية والرصانة..
علينا أن نحترم من يقدم عملاً جيدًا ونشيد به، ولا نبني أحكامنا على أصوات مجحفة سابقة فيتشكل لدينا حاجز وهمي يحجب طرب الإبداع مهما علا فلا نسمعه.