انفجار بيروت وذنب البيوت
إن قدر لنا ذكر محاسن كورونا قبل رحيله، فإن اختفاء التفجيرات أولها، فلم نسمع دويّها في نشرات الأخبار أو تتناقلها هواتفنا، قبل انفجار الرابع من أغسطس 2020 في العاصمة اللبنانية بيروت، الذي خلف عشرات القتلى وآلاف الضحايا والمشردين وحول فستان عروس المدن العربية الأبيض إلى كفن..
من يزور بيروت يشعر بأنه في أحد أجمل المدن العربية، ومن مال عليها في السبعينيات الميلادية أو في منتصف التسعينيات بعد أن أعاد بناها الراحل رفيق الحريري سيصنفها كأول خياراته السياحية قبل أن تندلع في شوارعها وطرقها الحرب الأهلية في عام 1982 وتضربها أكثر من تسعة أعوام ولا تزال تعاني من آثارها..
في العام الماضي زرت بيروت ثلاث مرات، وفي كل مرة أستقل سيارة الأجرة يدور نقاش متشابه مع سائقيها فعندما أسألهم عن أهم المطاعم والروشة يجيبون بأن بيروت جميلة ولكنهم يقولونها بنبرة حزن مصحوبة بعدد من الآهات.. ويشيرون إلى أن الفساد والإهمال أضاعا البلد..
الجملة تتكرر مع كل شخص قابلته في بيروت، عدا واحد كانت تبدو عليه معالم الغنى وامتدح الأوضاع وقال “كل الأمور مثل ما بدك”، فعرفت أنه من المقصودين..
في الفندق الجميل طلبت من العاملين فيه تغيير الغرفة بسبب “الفيو” المطلّ على أعمال مقاولات، فاستبدلوها مشكورين بأخرى ولكن عندما فتحت نافذتها فإذا ببناية تتخطى الثلاثين طابقًا يبدو عليها آثار القصف والتفجيرات، فشعرت وقتها بأنني أسير ولست نزيلًا..
سألت خدمة الغرف عن هذا المبنى الشاهق المدمر، فأجاب بأنه فندق هوليدي إن الذي دمرته الحرب الأهلية ولا يزال على حاله حتى الآن.. تجاوزت الأمر بإغلاق الستارة ونزلت إلى مطعم الفندق لتناول وجبة الغداء حيث المطبخ اللبناني الذي يعد مفخرة لكل العرب، وقبل أن أمد يديّ للفتوش فإذا بتمثال كبير أمامي، ومن باب معرفة التاريخ تجاوب معي النادل وقال إنه تمثال رفيق الحريري، حيث وضع في المكان الذي اُغتيل فيه في عام 2005م..
نسيت أمر الأكل والضحايا وذهبت إلى شاطئ الزيتونة، القريب من الفندق، ولكن لا تشعر بالراحة وأنت تجوبه، فعبارة كتبت على مبنى كبير مطل على البحر مهمل تشير إلى أن الفساد أوقفه.. هذه بيروت.. لؤلؤة تحاول أن تضيء وسط الوحل..
مناظر محزنة تصلنا من تفجير “الإهمال” في مرفأ بيروت والدمار الذي حل في البيوت ويذكرنا بذرية هيروشيما وضربات 11 سبتمبر..
لبنان دولة لها تاريخها وجمالها وحضارتها ووزنها، ورغم مساحتها الصغيرة إلى أنها سمّعت العالم بمخزونها الثقافي، فلماذا يستمتع من يمسكون بزمام الأمور فيها بتمتزيقها؟!.