2020-09-30 | 01:33 مقالات

الحارثي رئيسا.. الصحافة تكسب

مشاركة الخبر      

في مناسبة رسمية لإحدى الجهات في فترة التسعينيات الميلادية، يحمل صحافيًّا أسلحته جهاز التسجيل الصغير وقلمه وورقة ملاحظات، وينطلق إلى أرض المعركة، همّه الانتصار والعودة إلى مقر الصحيفة محملاً بالغنائم، التي لا تتعدى الخبر الحصري أو الحوار الخاص أو القصة المختلفة، فيلاحق ذلك الصحافي الشخص المسؤول غير مكتفٍ بما قاله في المؤتمر الصحافي، فهمه الاختلاف أو ما يسمى التميّز في أعراف “السلطة الرابعة”، فينال ما يريد بعد إلحاح، فيتباهى في اليوم الثاني أمام زملائه وكأنه عريس..
الصحافي “المميز” الذي يعمل انتصارًا لمهنته وتحقيقًا لمصداقيتها بات عملة نادرة في زمن شوّه الدخلاء صورتها، فهم يقتحمونها عبر قاعدة “مهنة الصحافة الأسهل وصولاً إليها والأصعب في الاستمرار بها”، ولكنهم رغم ذلك يستمرون بفعل فاعل..
الصحافي المتفوق في كل حرف يكتبه هو بمثابة جرس يطرقه ليسمّع العالم أكثر مما تفعل كنائس أوروبا، فالعقلاء يتتبعونه ويرون غرسه.. فذاك الصحافي الذي يلاحق المسؤول في مناسبة التسعينيات أضحى هو من يطارده رجال الإعلام بعد أن بات رئيسًا في الألفية، فما عمله طيلة مسيرته كان بمثابة السيرة الذاتية المفتوحة التي تتحدث عنه قبل أن ينقر في بريده الإلكتروني على خانة “إرسال”..
سعدنا كثيرًا في الوسط الصحافي بتعيين الزميل الأستاذ محمد بن فهد الحارثي رئيسًا تنفيذيًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون، وهو ابن الصحافة، وبدأ مسيرته في صحيفة الشرق الأوسط، ومن ثم مراسلاً صحافيًّا لعرب نيوز، والفاينشال تايمز اللندنية والاقتصادية، فمسؤولاً عن صفحتها الأولى ومديرًا لتحريرها فيما بعد، وترأس تحرير الرجل وسيدتي والجميلة وعرب نيوز، قبل أن يطلق البرنامج الاجتماعي “بدون شك”، وفاز بعضوية مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين وحقق جوائز عدة، ولا يزال قلمه يقدم عصارة خبرته على صورة مقالات صحافية.
التقيت الزميل الحارثي في إحدى الرحلات الخارجية الرسمية للدولة أثناء المشاركة في قمة اقتصادية في شرم الشيخ 2016م، فلمست منه شغفه وعشقه للمهنة والدفاع عنها، وقبل ذلك دماثة خلقه، فكان نهارًا يتنقل بين أرجاء المؤتمر ليخرج بالتغطية الأمثل، وفي المساء يكتب مقاله بهدوء، ليخرج بمادة صحافية نوعيّة..
داود الشريان وتركي الدخيل والآن محمد الحارثي وقبلهم الكثير ممن تقلدوا مناصب مهمة في الدولة أو في القطاع الخاص أو في وسائل الإعلام، هم قدوة لمن أراد أن يقتفي الأثر، فعلى معشر الصحافيين أن يسيروا على نهج الناجحين من أبناء مهنتهم، وينحّوا كل المغريات والمصالح الشخصية التي قد تفقدهم مصداقيتهم، ولا يتعاملوا مع الصحافة كوظيفة يتقاضون منها راتبًا شهريًّا وحسب، وقتها لن تتخلى عنهم “مهنة المتاعب” وسيبلغون “أعلى المناصب”.