عبيد الدوسري..
عندما تصبح (الجوهرة) ملك فحام !
ليس هناك موهبة كروية ظهرت قبل أكثر من عشرين عامًا في الساحة الكروية السعودية تشبهه. كان ينتظرها وينتظره مستقبل احترافي واجتماعي لم يسبقه إليه أحد ممن بزغ نجمهم في تلك المرحلة في النصف الثاني من عقد التسعينيات.
تصارعت عليه كبرى الأندية رغبة في كسب خدمات قدميه الهدافة. التي ولدت على سفح جبل خندمة (موليد 1975م) شرق مكة المكرمة، وسيطرت تحتها على أرض حارة (الملاوي) التي كان أول أولادها الذين روضوا شيطنة الكرة في أزقتها. فجمع صغار وكبار الحي خلفه، أشبه بمريدين لشيخ طريقة نزل حيهم.
كل من شاهده يتلاعب بالمدافعين والحراس وشباكهم، قال عنه: “خليفة سيد المهاجمين ماجد عبد الله”.
مطلع التسعينيات (1993م) التقطه محبو “كبير مكة”، نادي الوحدة، إلى أحضان ناديهم. لم يجدوا فيه ضالتهم فقط. بل جوهرتهم الفنية والمعنوية والمادية. مولود حقيقي في منطقة الجزاء. وهم مواليد نادرون في عالمها.
موسم (1999/1998م) انفجرت موهبته بشكل مدوٍ. معلنة عن نفسها. جوهرة كروية شابة في صندوق النادي المكي والكرة السعودية. مما أثار كبار مقتني ذاك النوع من الجواهر (الأندية الكبيرة والمقتدرة). لقد تمكن رغم محدودية إمكانات فريقه، تحقيق لقب هداف الدوري ذلك الموسم (سجَّل للوحدة 122 هدفًا بين 2000ـ1993).
زاد من أسهمه أن نادي الاتحاد فاوض حينها زميله مهاجم الشباب مرزوق العتيبي مقابل مبلغ مغرٍ. فزاد ذلك من أطماع ناديي الأهلي والنصر إليه للظفر بخدماته. وهنا حدث ما قد يغير مسيرة اللاعب.
بعد التمرين، طلبه رئيس الوحدة حينها أحمد دهلوي: غدًا تواجد في أحد فنادق مكة عند الواحدة من ظهر الغد. أخذت اللاعب نومه ولم يستيقظ إلا في الخامسة مساءً. كانت المكالمات قد (أحرقت) جواله: أين أنت. احضر فورًا. جاء ووجد رئيس ناديه يجلس أمامه رئيس نادي النصر الأمير فيصل بن عبد الرحمن!. ابتسم وجلس.
الدهلوي قال له: وقّع على هذه الورقة، ستنتقل للنصر لمدة (10) أشهر فقط وتعود، بعد أن تشارك فريق النصر تمثيل الوطن في مونديال الأندية (2000م). قال عبيد بطيبة وسذاجة: طالما خدمة للوطن وسوف أعود لناديي الوحدة. موافق. مجرد ظهور الصفقة إعلاميًّا، حدث ما لم يكن أحد يتوقعه. حتى بعض الوحداويين. ومنهم رئيس النادي. الذي تفاجأ أن كبار أعضاء شرف وداعمي النادي لديهم (كلمة شرف) عقدوها مع كبير النادي الأهلي حينها، الأمير محمد العبد الله الفيصل، بانتقال الدوسري إلى صفوف فريقه نهاية الموسم. واعتبروا انتقاله إلى النصر باطلًا. خاصة أن اللاعب شعر أن هناك من خدعه ووقعه على عقد انتقال نهائي وليس مؤقتًا كما قيل له. (لاحقًا لام عدم قراءته العقد ومعرفته باللوائح، ونصح زملاءه: احذروا أحد يخدعكم). غضب النصراويون. سارعوا برفع شكوى. لكنهم خسروها في لجنة الاحتراف لوجود عدة خروقات قانونية في العقد. وتم إيقاف اللاعب مؤقتًا وتغريمه.
مطلع موسم الألفية بدأ مشواره على الدرب الأهلاوي الأخضر: كأس الأمير فيصل بن فهد. ودورة الصداقة الدولية 2001م. أما عام (2002م) فكان حافلًا بالمنجزات وهي كأس ولي العهد، وكأس الخليج للأندية، وأيضًا كأس الأمير فيصل بن فهد، وختمها ذلك الموسم بلقب دورة الصداقة الدولية 2002م. أما آخر لقب شارك به فهو كأس الأندية العربية 2003م. مسجلًا معه بقميص الأهلي (55) هدفًا.
بعد ذلك بدأ نجمه يخفت بريقه. ازداد لعبه (خارج الملعب) أكثر من داخله! لقد جرفه رفاق السوء الطامعون فيه ماديًّا. هكذا برر الدكتور عبد الرزاق أبو داود وغيره، ما حل باللاعب فترة رئاسته للنادي، وأضاف في حديث مباشر معه: أصبح غير منضبط. يتغيب كثيرًا عن التدريبات بسبب سفره لإحدى الدول العربية كثيرًا. فتم تنسيقه ضمن خمسة لاعبين يشابهونه في عدم الانضباط.
وعندما سألته عن رأيه الفني في عبيد كلاعب. قال: بمنتهى الصراحة موهبة نادرة، ذو قدرات فنية رائعة. وأضاف بإعجاب: (موهبة من طراز آخر.. قد يتفوق في بعض قدراته على العملاق ماجد عبد الله). وختم الدكتور أبو داود حديثه: لقد أضاع نفسه فنيًّا وماديًّا. عانى آخر موسم معنا حتى بات شبه معدم. مما اضطره للعب لنادي ضمك (من 2005 إلى 2007) سجَّل خلالها (26) هدفًا. ثم ترجل منهكًا بعد أن خذل الكرة التي ترك العسكرية حبًا فيها رغم معارضة والده. فعاد بعد رحلة الملايين لوضع مادي نفسي صعب. سكن حي العسيلة وأجر مسكنه السابق ليستفيد من دخله.
لعب بقميص المنتخب الوطني (59) مباراة. بداية من التأهل إلى أولمبياد أتلانتا 1996م. ثم بطولة كأس العرب 1998م التي أصبح هدافها. تاليًا الجمع بين كأس العرب وكأس الخليج عام 2002م. ختم ذروة منجزاته الدولية.. لأنه كان من قلة اللاعبين الذين كتبت أسماؤهم محليًّا بماء الذهب لمشاركته في مونديالي كأس العالم 1998م. ثم المشاركة في كأس العالم 2002م. بل وهداف تصفيات الأولى. في مسيرة حافلة. تشبه علو جبل خندمة الذي ولد فيه. لكن أيضًا كان سقوطه سريعًا منه. وبيده !!