فارس عوض.. والأوركسترا
لو لم يكن فارس عوض معلقًا رياضيًّا لكان أديبًا روائيًّا، يؤلف الروايات والقصص الشيقة، يحوّل التفاصيل التي نمر عليها سريعًا غفلةً إلى صفحات مليئة بالصور المدهشة والمعاني العميقة.
لو لم يكن فارس معلقًا وكان أديبًا فسيكون من ذلك النوع من الأدباء الذي يقول الكثير في أقصر الجُمل، ولتداولنا سطور صفحاته في السوشال ميديا مثلما نتداول سطور فيدور ديوفيسكي وجابرييل ماركيز، لكنه حسنًا فعل عندما لم يصبح أديبًا يؤلف الروايات، لدينا الكثير من الأدباء، لكن المعلقين الأدباء نادرون، ونادرون جدًّا. ولو أنه اتجه لعالم الكتابة لفقدنا سحره على المباريات، ولفقدنا أدبه الذي يؤلفه لنا على الهواء مباشرة، ولأصبحت المباريات التي شاهدناها وعرفناها بصوته ليست التي عرفناها، وإثارتها ليست إثارتها، ومتعتها ليست متعتها. صوته من الخامة المفضلة، ومن الطبقة التي تشتاق لسماعها. تحب صوته هادئًا، وتحبه منفعلًا، هو من المعلقين الذين يرفضون إلا أن يكونوا أساسيين في المباراة، ولم يخذله إصراره يومًا، حتى أصبح رتم المباراة مشدودًا بصوته أولًا، يحوّل أحداثها إلى معزوفة موسيقية، يوزع الصولوهات على اللاعبين، يحفظ إيقاع اللعب، مثل أي قائد أوركسترا. فارس عوض المكسب المضمون الذي نحصل عليه في مباراة يعلق عليها، والقيمة المضافة التي تحول المباراة العادية إلى غير عادية، حتى إن شعر هو بأنها عادية فإننا لا نشعر بعاديتها، ربما اعتاد هو على سحره، لكننا لا نمل هذا السحر، لأنه سحر. يعتقد كل مشجع أن فارس يميل في قلبه إلى فريقه، كل مشجع، وربما مصدر هذا الاعتقاد، أن فارس مع الكرة الحلوة، بقدم من كانت، حتى إن كانت طائشة واستقبلها من خلف المرمى أحد المصورين بمهارة، لحظتها سيكون المصور نجم اللقطة، وسيحظى بالكلمات التي تستحقها موهبته. ليس سهلًا أن يقلد الأطفال والشباب طريقة تعليق المعلق، أن يحفظوا جُمله التي رددها في لحظات حاسمة، ليس سهلًا أن تحفظ الجماهير أقواله مثلما يحفظون أبيات بدر بن عبد المحسن وعبد الرحمن بن مساعد ونزار قباني. ليس سهلًا أن يحصل المعلق على شهرة نجوم الكرة الكبار إلا إذا كان من الكبار.
وينستون تشرشل: النجاح ليس النهاية، والفشل ليس قاتلًا، إنما الشجاعة للاستمرار هي ما يهم.