طرب العين..
بين «أطلال» السنباطي و«عسل» حمدي
بعض الأغاني تحاكي الأماكن، فيمتزج لحنها بين تفاصيلها، لكنها لا تجرؤ على الخروج من زنزانة الخيال، فتظل حبيسة لحين تنهي مدة مكوثها ولا يراها سوى سجّانها، هي الألحان الخالدة والجميلة، التي تطرب لها المسامع، لكن أن تطرب العين فهي المعجزة التي تجسدت على مسرح أبو بكر سالم في مدينة الرياض في ليلتيّ تكريم العملاقين رياض السنباطي وبليغ حمدي. بدأت بالأول كونه الأكبر عمرًا ومن رافقني اسمه طيلة أيام الدراسة من باب “المزاح”.
تغنّت النجمة مي فاروق بالأطلال في روائع السنباطي، وكانت تفاصيل المسرح أشبه بمن يطلّ على الخيال، وقبل أن تبدأ الحفلة كان اللحن الأكثر تأثيرًا هو العمل الكبير المبذول من قبل صنّاع الليلة التاريخية، فمئات الأشخاص اهتموا بتفاصيل التفاصيل وجعلوا باب الخطأ موصدًا وأضاعوا مفتاحه..
يقول الخبراء في كرة القدم إن من يهتم بالتفاصيل البسيطة هو من يكسب المباراة، ويبدو أن تلك المقولة مرّت على من جهّز مسرح أبو بكر سالم، فكسب احترام الجميع..
بين ليلتيّ السنباطي وحمديّ، قدمت الشركة السعودية “بينش مارك” عملًا يؤرخ مرحلة جديدة في تاريخ العملاقين الراحلين، وجعلت ألحانهما تتنقل بين سلالام المسرح وعلى مقامات الجودة العالية، فخرج لحن يشبه الواقع، أطرب العين قبل الأذن..
والجميل في ذلك أن تلك الليالي التاريخية جعلت أبناء الجيل يعرفون حجم الموهبة الكبرى لدى رياض وبليغ، وقبلهما الموجي، وأنصفت اسم الملحن من سطوة المغنيّ، فالكثير وأنا أحدهم تعجبنا الأغنية ونصعد بمؤديها إلى السماء، لكن صاحب الحمل الأكبر وهو الملحن يختفي اسمه في غياهب “الطرب”..
تلك الليالي التاريخية التي تأتي تكريمًا من موسم الرياض للأساطير دون النظر إلى الجنسية، لكن حجم العمل الذي قدمه، يذكرني بما قاله المخرج الكبير شريف عرفه خلال تكريمه في “جوي أووردز” 2021، بأنه لم يكن يتخيل يومًا أن يتم تكريمه في الرياض والتي وصفها بعاصمة الفن والتكريم.
تلك الليلتان ستخلدان “زي العسل” في تاريخ تكريم الأساطير، وستكونا حافزًا لمن يعمل أنه سيلقى الإنصاف ولن يطير “زي الهوا”، ويردد الجميع “على بلد السعودية وديني”..