«ولاد رزق» على خطى هايدي الجميلة والمهمة المستحيلة
إذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فالسياحة قد يصنعها السينمائيون، الفن السابع هو نافذة تسويقية مهمة للمدن، وكل ما كانت المدينة تحمل إرثًا تاريخيًا وحضارة خالدة ومستقبلًا واعدًا، أو لنختصرها بأن يكون لها «قصة»، أصبحت هدفًا لصنّاع السينما.
لا تزال تسكن ذاكرتنا تلك الطفلة الجميلة متوردة الخديّن المتنقلة بين الحقول والجبال، تسكن كوخًا مع جدها والطبيعة الساحرة تحيط بهم، حتى أضحت قريتها مقصدًا للسيّاح، هي «هايدي» بطلة المسلسل المتحرك الذي صدر في منتصف السبعينيات الميلادية، ولا تزال جبال الألب بقراها السويسرية مقصدًا للزوار، وأول ما يشاهد السائح كوخًا في أعلى الجبل يتوقف عنده لالتقاط صور تذكارية بجانب «كوخ هايدي» على حد وصفه، وهو لا يعلم إن كان هو الكوخ أم لا، وحتى الأبقار والخراف في المسلسل «الكرتوني» يلاحقها السيّاح حتى يومنا على أنها من «بقية حلال هايدي»..
مسلسل بسيط أسرَ الكبار قبل الصغار، ونشّط السياحة في «إنترلاكن» والقرى المجاورة لها، بحثًا عن «كوخ هايدي» الذي لا يزال مجهول المكان، لكنَّ الفائدة السياحية جنتها المدينة بشكل عام.
توم كروز في سلسلة «مهمته المستحيلة» التي بدأها في منتصف التسعينيات الميلادية لم يكن مهتمًا عندما كان ممثلًا في الجزء الأول بسياحة المدن، لكن عندما أصبح منتجًا من الجزء الثاني جعل تسويق المدن التي يزورها في الفيلم هدفًا، فأطلّت 20 مدينة في أجزائه السبعة، ونجح صنّاع السياحة في تلك المدن في أن يصلوا إلى السيّاح من الشاشة الكبيرة.
وحتى المدينة التي أشرف على بنائها أبو القنبلة الذرية «أوبنهايمر» وكانت «مؤقتة» أصبحت مقصدًا رغم أنها لا تمتلك أي مقومات سياحية، لكن الفيلم ذرَّ على «لوس ألاموس» ذهبًا من دون أن يقصد.
الرياض قصة جميلة بكل معانيها، تخبئ في شوارعها وبين نفودها معاني جميلة وذكريات عليلة، لكن لم تروَ سينمائيًا، وهنا لا أقصد تسجيل فيلم وثائقي عنها أو تقرير في وسائل الإعلام أو مقال أو إعلانات، فهذا لا يكفي ولا يشكل الوصول الكافي والشافي، لكن فتح نافذة سينمائية على البوابة السياحية هو التحدي الجديد في عاصمة الترفيه والسياحة والرياضة.
«ولاد رزق 3» فيلم صوّرت نصف مشاهده في مدينة الرياض، مرورًا بمعالمها وموسمها الأشهر عالميًّا، ونجحت الهيئة العامة للترفيه في جعل الفيلم، الذي يحقق إيرادات عالية وشباك تذاكره يحطم الأرقام منذ جزئه الأول، يؤرخ حقبة مهمة في الرياض ويروي قصتها لأجيال وأجيال.
تسويق هيئة الترفيه لموسم الرياض عبر القطاع السينمائي، واختيار فيلم ناجح ودعمه، يشكل تكاملًا بين الجهات ذات العلاقة، سواءً السياحة أو الثقافة، ويصب في صالح الوطن الغالي ويحقق مستهدفاته على كافة الأصعدة..
مثل تلك الأفكار التسويقية النيّرة تحتاجها مدننا وليست الرياض فقط، فالسينما كما قال المستشار تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه تؤرخ الحقب الزمنية.. وليس أجمل من كتابة تاريخ بلد يعيش حاضرًا جميلًا.. ومستقبلًا أجمل..